الكلب.. كلمة السر في جريمة الرحاب بالقاهرة
سيارات الشرطة اخترقت سكون ليالي الرحاب الهادئة، وفوجئ سكان المنتجع الأخضر بتواجد أمني مكثف وكانت الفاجعة مع انتشار خبر وقوع جريمة قتل
في عام 1997 بدأت أولى الأعمال الإنشائية لمدينة الرحاب- شرق العاصمة المصرية- لتكون أول مدينة متكاملة يسعى المصريون للانتقال إليها، ولتكون أيضًا بعد سنوات قليلة النموذج المثالي للمنتجعات المنافسة التي تبحث عن موقع على الخريطة العقارية بمصر.
تميزت الرحاب منذ نشأتها بالهدوء بسبب موقعها الجغرافي المطل على امتداد طريق السويس الصحراوي، وابتعادها عن مناطق مصر الجديدة مدينة نصر المزدحمة، كما انفردت بمناخ معتدل لانخفاض درجات الحرارة عن العاصمة بنسبة 5 درجات مئوية بسبب ارتفاعها مقارنة بمدن وأحياء القاهرة القديمة.
يسكن الرحاب طبقًا لآخر إحصائية ما يقرب من 250 ألف نسمة، ما بين ملاك ومستأجرين، وتتكون من 10 أحياء سكنية وبها مساحات خضراء واسعة، لذلك أُطلق عليها اسم المدينة الخضراء.
سيارات الشرطة اخترقت منذ أيام سكون ليالي الرحاب الهادئة، وفوجئ سكان هذا المنتجع الأخضر بتواجد أمني مكثف لرجال الأمن، وكانت الفاجعة مع انتشار خبر وقوع جريمة قتل لأسرة كاملة بإحدى فيلات الحي، وهو ما كان بمثابة الصدمة التي سرت في النار كالهشيم بين قاطني المدينة.
نباح كلب كشف الجريمة
منذ نحو 6 أيام لاحظ أفراد الأمن الإداري بالحي الثاني لمدينة الرحاب، نباحا مستمرًا لكلب ڤيلا "المهندس عماد"، ومع بداية السبت الماضي بدأت روائح كريهة تنبعث من داخل الفيلا، ما أثار الريبة وهو أيضًا ما دفع الجيران للتواصل مع المالك الأصلي للڤيلا الذي حضر بدوره لمعرفة سبب الرائحة، لكنه فشل في دخول الفيلا أو الاتصال بمستأجرها الذي لم يرد على كل الاتصالات الهاتفية.
اتصل رجال الأمن الإداري بالشرطة التي حضرت وتمكنت من دخول الفيلا، وبالداخل كان الكلب لا يزال موجودًا وتمت السيطرة عليه نظرًا لشراسته، وصعد فريق من المباحث إلى داخل الفيلا ليعثروا على 5 أفراد من أسرة واحدة غارقين في دمائهم.
الجثث التي عُثر عليها تعود لرجل الأعمال المهندس عماد، 56 عامًا، وزوجته وفاء فوزي، 43 عامًا، وأبنائه محمد، 22 عامًا، نورهان، 20 عامًا، عبدالرحمن، 18 عامًا.
بداية التحقيقات
في البداية رجحت التحريات الأولية انتحار الأب 56 سنة، بعد قتل زوجته وأولاده لتعثره ماليًا، لكن فيما بعد اكتشفت النيابة دلائل تنفي تلك الأحداث.
نيابة القاهرة الجديدة أمرت بعد وصولها ومعاينتها لموقع الحادث، بنقل الجثامين إلى المشرحة واستعجلت الصفة التشريحية وتقرير الطب الشرعي لكشف ملابساتها.
في الوقت نفسه عكف فريق أمني على مراقبة الڤيلا ومعاينة المنطقة وفحص المترددين عليها، وفحص سجل المكالمات الأخيرة للمتوفين بعد مخاطبة شركات المحمول، وحصر خلافات الضحايا وعلاقاتهم.
ظهور شقيق المهندس وعم الأولاد
من جانبه رفض رأفت سعد الشقيق الأكبر لـ"المهندس عماد" قتيل الرحاب، رواية إقدام شقيقه على قتل أسرته ثم الانتحار، مؤكدًا أن "شقيقه كان متدينا وطموحا، وزوجته طيبة جداً ومحمد ابنه محبوب، ونورهان مثل الوردة، مستحيل يعمل كده أو ينتحر، لأنه من النوع اللي عايز يثبت نفسه ودايماً يدخل يحل مشاكل الناس وليه أفضال كتير على ناس قريبة وبعيدة، وحجم أعماله تقيل ومع ناس كبيرة".
يؤكد رأفت أن شقيقه عماد لم يكن يعاني من تعثر مالي، وكان "يمتلك شقة باهظة الثمن بمدينة نصر، و3 سيارات حديثة إحداها يقودها سائق خاص، والأخرى مخصصة للزوجة والثالثة لابنهما محمد، شقيقي الراحل كان أحسن واحد فينا، ولو قعدت معاه مرة لازم تطلب رقم تليفونه كان أينشتاين بتاعنا".
يقول: "يوم 26 أبريل اللي فات كلمني، وقالي يا رأفت اتصرف بسرعة وبيع البيت بتاعنا، أنا عايز فلوس لأني كنت عامل معارضة في قضية كبيرة ورحت اسأل على الورق لقيته اختفى، لكني لم أسأل عن طبيعة القضية، أخبرته أن المنزل قديم بمنطقة الشرابية، ولا يتجاوز نصيبه فيه أكثر من 200 ألف جنيه، وهو مبلغ لا يحل أزمة مالية بالطبع لرجل أعمال".
وأوضح: "علمت بنبأ مقتل الأسرة بعد عودتي من العمل الساعة 12 مساء السبت، وآخر مرة شاهدت فيها عماد كان في عزاء قريب منذ 3 أشهر".
ابن العمة يتحدث
تتفق رواية شقيق الضحية مع ما ذكره نجل عمتهما "خالد"، حيث استبعد واقعة الانتحار، وقال إن المهندس عماد "عمره ما اتعصب ولا انفعل وكنت بتكلم معاه باستمرار"، مشيراً إلى مكالمة هاتفية جرت بينهما قبل نحو شهرين: "طلبني على التليفون وكانت حالته كويسة جداً، وكان بيستفسر عن دواء لحشرات أصابت الكلب الذي يمتلكه".
وعن المكاملة التي تلقاها شقيق القتيل قال، خالد بن عمة المهندس عماد: "رأفت حكى لي عن الواقعة دي وقلت له ده لغز لازم تقوله للنيابة العامة".
رواية الجيران
مدام سماح، جارة الأسرة، قالت: "الحادث هز المنطقة بالكامل أنا لما سمعت الحادث، افتكرت الضحايا لأن المهندس عماد مرة وهو راجع من الجامع صمم يوصل أمي القعيدة حتى البيت".
وأكدت الجارة أن الأسرة "انطوائية جداً ولا أحد يعرف عنها شيئا، باستثناء الابنة التي كانت ترتبط بصداقة سطحية مع ابنتها"، مضيفة: "كانت بتيجي تتمشى بالكلب بتاعهم، وبنتي تنزل تقابلها، ومكنش فيه أي حاجه تدل على إن فيه مشاكل كبيرة".
وعن تأمين المنطقة قالت مدام سماح: "الفيلا تقع في أكثر المناطق في الرحاب تأمينا، تقع بين شارعين وحولها 4 ارتكازات أمن إداري، والمنطقة اللي ساكنين فيها أكتر مكان فيه تأمين لأنها من أول المراحل اللي اتبنت هنا".
الرسالة الغامضة
وتمكن رجال المباحث بعد إصدار التصريحات القانونية من تفريغ هاتف المجني عليه، وتبين لهم قيام "عماد" بإرسال رسالة قبل الحادث بأسبوع إلى عدد من الأسماء المُسجلين على هاتفه نصها: "يوم ٣٠ أبريل هتسمعوا خبر حلو.. كل واحد هياخد حقه".
التشريح
وكشفت مصادر بمصلحة الطب الشرعي أن نتائج أعمال التشريح الخاصة بحادث الرحاب، أظهرت أن عماد سعد مصاب بـ3 طلقات رصاص، وأن جثته كانت في حالة تعفن تام، وأن المناظرة أوضحت أنه مصاب بطلقة واحدة أسفل الذقن، ولكن عندما قام أطباء المصلحة بوضع الجثة على جهاز الأشعة، تم اكتشاف طلقتين واحدة في الجبهة والثانية والثالثة أسفل الذقن، وحدد تقرير الطب الشرعي المبدئي أن السلاح المستخدم طبنجة، ما يؤكد أن الواقعة ليست انتحاراً، لأن المنتحر لا يستطيع إطلاق أكثر من رصاصة على نفسه، وفقاً لكل دراسات الطب الشرعي، موضحةً أن الواقعة، عملية قتل لرجل الأعمال وأسرته.
وانتهى فريق الطب الشرعي من تشريح جثة "وفاء. ف" زوجة الضحية الأولى، رجل الأعمال، وأبنائه محمد ونورهان وعبدالرحمن حيث أظهرت المعاينة أن الجثث الأربع بها 8 طلقات، فى كل واحدة، منها طلقتان في الرأس والوجه جميعاً، وكانت الجثث في حالة تعفن مع ظهور ديدان ما يعنى أن الحادث وقع منذ يومين أو ثلاثة وقد تصل لـ4 أيام، قبل اكتشاف الواقعة، مشيرةً إلى أن الطلقات دخلت فى الجمجمة، وتفتت وأحدثت فتحات دخول فقط، واستقرت بالداخل وأن جميع الطلقات موجهة إلى الرأس، ما يعزز احتمالية وسيناريو القتل.
مالك الفيلا
استمع فريق البحث الجنائى ورجال المباحث، إلى أقوال مالك الفيلا التي كان يقيم فيها الضحايا، والذي خضع لاستجواب مطول، قال فيه إن "رجل الأعمال لم يسدد الإيجار منذ 3 أشهر، وطلب مهلة"، وإنه "علم عقب الحادث أن المجنى عليه عرض الفيلا للبيع، رغم أنه ليس المالك"، مشيراً إلى أنه "حرر محضراً ضد رجل الأعمال قبل اكتشاف الحادث بـ5 أيام بسبب امتناعه عن سداد الإيجار".
قتل أم انتحار
التحقيقات فى واقعة العثور على جثة رجل أعمال وزوجته وأولاده الثلاثة مقتولين داخل فيلتهم بمدينة الرحاب لم تحسم بعد، ولاتزال الواقعة تحتمل كونها انتحار الأب بعد إقدامه على قتل أولاده وزوجته أو أن مجهولاً كان وراء قتل الأسرة بأكملها، لكن يبدو أن كل الاحتمالات واردة وأن الثابت فى التحقيقات ومن خلال الاستماع لأقوال عدد من المقربين من الأسرة أن الأب كان يمر بضائقة مالية ومتعثر مادياً.
في الوقت نفسه تظل منافذ الفيلا السليمة لغز يحتاج إلى حل، خاصة مع عدم وجود أي آثار لدخول شخص غريب إلى المبنى، كما أن المعاينة الأولية أثبتت العثور على المسدس الذي جرت به الجريمة بجوار يد الأب، والعثور على 11 طلقة فارغة فى محيط الجريمة، تتم مضاهاتها بـ2 خزنة من الطلقات تم العثور عليها في الفيلا، كما أن وجود الكلب يمنع بالتأكيد دخول أو خروج أحد بسهولة.