من البورصة إلى المختبر.. بول بيفان يعيد تعريف اللحم

ماذا لو كانت شريحة اللحم التالية التي ستطلبها سيكون مصدرها مختبر بدلًا من مزرعة، حتى أن قطعة البرجر قد لا تأتي من أي حيوان، قد تبدو هذه الأسئلة غريبة ومستحيلة، لكن بول بيفان يُحوّلها إلى واقع ملموس في مختبر بملبورن.
بيفان، هو مدير تنفيذي سابق في أحد البنوك، تحول إلى عالم بقطاع التكنولوجيا الحيوية، يُنتج لحمًا حقيقيًا من خلايا حيوانية في مختبر.
ويعتقد أن هذا يُمكن أن يُغير طريقة تناول العالم للحوم إلى الأبد.
وتُسمى شركة بيفان التي تنتج هذا اللحم، "ماجيك فالي"، ولن تجد فيها أي حيوانات، ولكن ستجد فقط مفاعلات حيوية، وهياكل خلوية، وعلماءً يعملون بعناية مع خلايا حيوانية ويحولونها إلى لحم حقيقي، ليس لحمًا نباتيًا، بل لحمًا حقيقيًا يُزرع في المختبرات.
وتُظهر رحلة بيفان من قطاع الشركات إلى التكنولوجيا الحيوية تنامي حركة رواد الأعمال الذين يرون في إنتاج الغذاء المجال الكبير القادم للابتكار.
وتبلغ قيمة صناعة اللحوم العالمية حوالي تريليون دولار سنويًا، وتواجه العديد من القضايا، مثل التأثير البيئي ورعاية الحيوان.
وهنا تُمثل شركات مثل "ماجيك فالي" حلاً محتملاً جيدًا لا يُلحق الضرر بالحيوانات ولكنه يُقدم نفس النتائج.
من التمويل إلى ثورة الغذاء
ولم يخطر ببال بيفان قط أن يُنتج لحومًا في المختبرات. وتعتبر خلفيته، كغيره من المديرين التنفيذيين الأستراليين الناجحين، مبنية على شهادة في الاقتصاد من جامعة موناش، وقد شغل مناصب قيادية في شركات كبرى.
وأدارت هذه الشركات أصولًا بمليارات الدولارات ووظّفت آلاف الموظفين، لكن بيفان كانت لديه خطط أخرى، إذ لم يكن راضيًا عن العمل في قطاع الشركات.
وأثناء عمله في مجال التمويل، شارك في تأسيس مركز الفنون القتالية المختلطة (MMA)، وهو المركز الرائد في ملبورن للفنون القتالية المختلطة.
وأظهر هذا المشروع موهبة بيفان الريادية واستعداده لعدم الانغماس في قطاع الشركات والخروج من منطقة راحته.
كما شارك في تأسيس شركة بوس فاينانس، وهي شركة وساطة مالية حائزة على جوائز، ساعدت العديد من الأشخاص على اتخاذ قرارات معقدة.
وأثبت نجاح كلتا الشركتين قدرته على بناء أعمال تجارية في قطاعات مختلفة أيضًا، ومنحه الحرية المالية لخوض مخاطر أكبر.
ولم يكن التحول بالنسبة لبيفان من التمويل إلى تكنولوجيا الغذاء عشوائيًا أو سريعًا، حيث أصبح بيفان قلقًا للغاية بشأن الطريقة التقليدية لإنتاج اللحوم، والتي تتطلب حيوانات وتؤثر على البيئة أيضًا.
إذ يُسهم إنتاج الثروة الحيوانية بحوالي 15% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ويستهلك 70% من الأراضي الزراعية، ويحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.
وقال بيفان خلال مؤتمر لتكنولوجيا الأغذية في سيدني، "ظللتُ أفكر أنه لا بد من وجود طريقة أفضل، لدينا معرفة علمية لزراعة اللحوم دون الحاجة إلى حيوانات.
وكان السؤال هو، هل يمكننا جعلها صالحة للاستخدام التجاري؟، ودفعه هذا السؤال إلى مواصلة دراسته، وحصل على شهادة في العلوم من جامعة سوينبرن لفهم التكنولوجيا الحيوية بشكل أفضل.
إنشاء شركة "ماجيك فالي" من الصفر
وتأسست ماجيك فالي عام ٢٠٢٠، ودخلت مجالًا كان بالكاد موجودًا قبل عقد من الزمان.
وتتضمن اللحوم المزروعة، المعروفة أيضًا باسم اللحوم المزروعة في المختبر أو اللحوم الخلوية، التي تنتجها الشركة، أخذ عينة صغيرة من خلايا الحيوانات وتنميتها في ظروف مُتحكم بها في المختبر حتى تتكاثر وتبدأ بتكوين أنسجة لحمية حقيقية.
وتبدو العملية بسيطة للغاية، لكنها تتطلب معدات ومعرفة دقيقة واستثمارًا كبيرًا.
واختلف نهج بيفان عن العديد من المنافسين الذين ركزوا فقط على المأكولات البحرية أو الدجاج، حيث قدمت ماجيك فالي أفضل أنواع اللحوم المزروعة، ومنتجات اللحوم الحمراء مثل لحم الضأن ولحم البقر ولحم الخنزير.
وتُعتبر هذه الأنواع أكثر صعوبة من الناحية التقنية في الإنتاج، لكنها تُمثل أكبر وأكثر فرص السوق ربحية، ويستهلك الأستراليون أكثر من ٩٠ كيلوغرامًا من اللحوم سنويًا، ويُعتبر اللحم الأحمر الخيار الأول لهم.
وركزت بداية تطوير ماجيك فالي على إنتاج لحوم تُشبه اللحوم العادية في الشكل والمذاق، لكن هذا لم يكن يهدف إلى ابتكار بديل للحوم يُذكر الناس باللحوم الحقيقية، بل كان الهدف إنتاج لحوم حقيقية تُزرع في المختبر فقط بدلًا من المزرعة.
وواجهوا العديد من التحديات التقنية، حيث تحتاج الخلايا الحيوانية إلى درجة حرارة ومغذيات وبيئة مناسبة للنمو، وتحتاج إلى سقالات لتتطور إلى أنسجة تُشبه اللحوم الحيوانية العادية، كما يجب أن تكون العملية معقمة للغاية لمنع التلوث، ولكن القائمين على الشركة بقيادة بيفان نجحوا في تجاوز هذه العقبات بنجاح.
ومع استمرار ماجيك فالي في توسيع وتحسين عملياتها، لا يزال بيفان يركز على الصورة الأكبر.
حيث يدرك بيفان أن صناعة اللحوم المزروعة بدأت للتو بالازدهار، وأنها لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه عقبات تنظيمية وتحديات إنتاجية.
لكن قناعة بيفان بأنه "لا بد من وجود طريقة أفضل للقيام بالأشياء" تساعده على المضي قدمًا بشكل مستمر.