بناء علاقات سلام بين الدول العربية وإسرائيل سيدعم أيضاً قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها.
تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن اليوم مراسم التوقيع على معاهدة السلام التاريخية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بحضور وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. كما سيشهد البيت الأبيض أيضاً توقيع الاتفاق التاريخي بين مملكة البحرين الشقيقة وإسرائيل، بعد أيام قليلة من توصل البلدين، برعاية أمريكية، إلى الاتفاق على توقيع معاهدة سلام بينهما، لتلحق البحرين بدولة الإمارات في تحركها لوضع المنطقة على بداية مرحلة جديدة من التعاون والسلام التي تخدم مصالح جميع الأطراف.
معاهدتا السلام الإماراتية- الإسرائيلية والبحرينية- الإسرائيلية اللتين سيتم توقيعهما اليوم، تدشنان لعهد جديد في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، أساسه التحرك إلى تحقيق السلام العادل والدائم لجميع الأطراف من خلال الحوار المباشر والتعاون البناء، بعد أن أثبتت العقود الماضية أن العداء والقطيعة وعدم التواصل لن يحقق أي سلام منشود، ولن يأتي بالحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني أو لأي شعب آخر في المنطقة.
توقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل ليس بالأمر الجديد، فقد سبقت إليه مصر منذ أكثر من أربعة عقود، وتبعتها الأردن عام 1994، وحتى الفلسطينيون أنفسهم وقعوا العديد من اتفاقيات وتفاهمات السلام مع إسرائيل منذ اتفاق أوسلو عام 1993، وفي جميع هذه المبادرات كان الهدف هو تحقيق السلام واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، وهو أمر تسعى إليه أيضاً دولة الإمارات ومملكة البحرين الشقيقة من خلال هاتين الاتفاقيتين التاريخيتين. فتصريحات المسؤولين الإماراتيين والبحرينيين واضحة وحاسمة بأن العلاقات مع إسرائيل لن تكون على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ولن تغير في المواقف التاريخية للبلدين الداعمة لهذا الشعب وحقوقه، بل سيتم توظيف هذه العلاقات والبناء عليها للوصول إلى سلام شامل ودائم يُعيد هذه الحقوق المشروعة ولكن بنهج جديد ومغاير.
وهذا الأمر أكده بوضوح معالي الدكتور أنور قرقاش قبل يومين، عندما أكد أن صناعة المستقبل لا يمكن أن تكون أدواتها استنساخ تجربة الماضي خاصة إن أخفقت في تحقيق أهدافها، مشيراً إلى أن الاختراق الاستراتيجي ضروري للعبور من الجمود والتكلس إلى الحركة الإيجابية، وأن مراجعة التوجه لا يعني بالضرورة تغيير الأهداف بل مقاربتها بشكل مختلف.
لا شك في أن بناء علاقات سلام بين الدول العربية وإسرائيل سيدعم أيضاً قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، فهذا السلام ينهي عقودا من الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي تم استغلاله أسوأ استغلال من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية لنشر أيديولوجياتها المتطرفة، وتجنيد الشباب ضد دولهم بعد اتهام الأنظمة بالعمالة والخيانة، وبالتالي فاتفاقيات السلام تسحب تلك الذرائع من يد هذه الجماعات الإرهابية، بل وتفتح المجال أمام التنسيق مع إسرائيل في مواجهتها.
كما أن هذا الصراع تم استغلاله أيضاً من قبل دول إقليمية للتغلغل في شؤون المنطقة والإضرار بمصالح دولها وتهديد الأمن والاستقرار فيها. فهذه الدول التي تتدخل في شؤون دولنا بدعوى دعم القضية الفلسطينية لم تشارك في أي حرب ضد إسرائيل، ولم ترفع السلاح في مواجهتها، بل على العكس كانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل وأبرمت اتفاقيات سلام معها، ولازالت تنسق معها على أعلى المستويات، ولاسيما تركيا التي يثرثر رئيسها ليل نهار بانتقاد إسرائيل والعداء لها، فيما تنسق حكومته معها في جميع الشؤون الأمنية والاقتصادية والسياسية.
لقد حسمت دولة الإمارات مواقفها بالدخول في علاقات مباشرة مع إسرائيل؛ لأن هذا يخدم مصلحتها وهدفها الأساسي في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، والتفرغ لقضايا التنمية والتطوير التي تعود بالنفع على جميع الأطراف، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، الذي تضع قيادتنا الرشيدة مصالحه وحقوقه في قمة أولوياتها دونما متاجرة بهذه الحقوق أو استغلال لها، والأمر نفسه بالنسبة لمملكة البحرين الشقيقة التي تسير على النهج الرامي إلى تدشين عهد جديد من السلام والأمن والتسامح والازدهار في المنطقة كلها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة