الغريب في هذا الهجوم الإعلامي الذي تشنّه رام الله على المنامة عبر تصريحاتٍ وبياناتٍ صحافية لمسؤوليها هو تجاهل حقيقة.
تواصل السلطة الفلسطينية منذ أيام، هجومها الإعلامي ضد مملكة البحرين بعد إعلان الأخيرة عن موافقتها إقامة علاقاتٍ ثنائية مع إسرائيل، وهو أمرٌ كان قد تكرر الشهر الماضي، حيث تهجّمت القيادات الفلسطينية حينها على دولة الإمارات بعدما أعلنت أبوظبي في خطوةٍ جريئة وشجاعة، عن معاهدة سلام تاريخية مع تل أبيب توقع رسمياً في الولايات المتحدة الأمريكية.
والغريب في هذا الهجوم الإعلامي الذي تشنّه رام الله على المنامة عبر تصريحاتٍ وبياناتٍ صحافية لمسؤوليها، هو تجاهل حقيقة أن سلطتها الحالية كانت قد انبثقت عن تطبيعٍ كامل مع تل أبيب عام 1994 بموجب اتفاقية أوسلو الشهيرة والتي وقِعت آنذاك في واشنطن بين منظمة "التحرير الفلسطينية" وحكومة إسرائيل. والسؤال المنطقي الآن: لماذا كل هذا الهجوم المبرمج من قبل السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" على المنامة وأبوظبي؟ وبأي حق تنفذ حملة اللوم والامتعاض والفلسطينيون أول من أبرّم معاهداتٍ للسلام مع إسرائيل؟.
والغريب في الأمر الاستنكار والرفض الفلسطيني التام لإقامة علاقات ثنائية بين الإمارات والبحرين من جهة وتل أبيب من جهةٍ أخرى، في حين أن "حماس" و"فتح" تعيشان تارة في حضن تركيا التي تفتح أبوابها أمام الإسرائيليين منذ أكثر من 70 عاماً، وتارة أخرى في حضن إيران، التي لم تطلق رصاصةً واحدة بشكل مباشر على إسرائيل طيلة حياتها.
من الأجدر أن تقوم السلطة الفلسطينية بإلغاء التطبيع الفلسطيني ـ الإسرائيلي المستمر منذ سنين طويلة، عوضاً عن التهجم على الإمارات والبحرين، اللتين تتمتعان بحقوق سيادية، وهما دولتان مستقلتان ومن حقهما تحديد شكل وحجم علاقاتهما الخارجية مع أي دولةٍ أو حكومة أو جهةٍ سياسية. كما أن هذه الجهات الرافضة لتلك الاتفاقيات والمعاهدات لا يحق لها أن توكل لنفسها مهمة الوصاية على قرارات دولٍ تبعد عنها آلاف الكيلومترات.
كما أنه لا بدّ من التركيز على أن الغضب الفلسطيني من الإمارات والبحرين قد يكون نتيجة محاربة كلا الدولتين للتمدد التركي والإيراني في العالم العربي خاصة وأن كل الفصائل الفلسطينية، تجمعها علاقاتٍ وطيدة مع أنقرة وطهران، ولذلك يفهم من هذا التهجم غير المنطقي أنه يأتي بأوامرٍ مباشرة تركية وإيرانية، وإلا كيف لرام الله أن تتجرأ على انتقاد المعاهدات وهي أول من أبرم مثلها على حساب أرض وشعب فلسطين؟.
والمضحك في الأمر، أن مسؤولي "السلطة الفلسطينية" يدلون بتصريحاتٍ صحافية غاضبة ورافضة لوسائل إعلامٍ تركية لا تبعد مقرّاتها عن سفارة إسرائيل في أنقرة سوى أمتار، وهو ما يؤكد ارتهانهم لتنفيذ أوامر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المتخوف من تراجع علاقات بلاده الاقتصادية والأمنية مع تل أبيب نتيجة معاهدات الأخيرة مع الإمارات والبحرين.
وباختصارٍ شديد، قطار السلام الذي انطلق من الإمارات ووصل إلى البحرين سيمرّ على عواصمٍ عربية أخرى في الأيام المقبلة، وسيساهم ركّابه باستقرار المنطقة بدلاً من التجارة بقضاياها كما تفعل أنقرة وطهران بحق فلسطين والفلسطينيين. وحتى ذلك الحين سنسمع كلاماً كثيراً واتهاماتٍ عديدة، إلا أنها لن تنجح في إيقاف حركة هذا القطار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة