"السلام والاقتصاد".. تحديات سودانية تنتظر كفاءات حمدوك
تركة مثقلة خلفها النظام الإخواني السابق، تضع رئيس الوزراء السوداني وحكومته الجديدة أمام تحديات عدة أبرزها السلام والاقتصاد.
كفاءات سودانية في مختلف التخصصات تم اختيارها بعناية وتعيينها في حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، لقيادة السودان في المرحلة الانتقالية ووضعه في طريق الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة، وذلك بعد سنوات من الحكم الإخواني الديكتاتوري.
وقال خبراء لـ"العين الإخبارية" إن حكومة حمدوك التي وجدت القبول من الشارع السوداني وتعلقت عليها الآمال العريضة، ستكون أمامها تحديات جسام عليها أن تتعامل معها بالجدية والحسم اللازمين، على رأس هذه التحديات "قضايا السلام والاقتصاد واجتثاث بقايا النظام الإخواني السابق داخل مؤسسات الدولة".
واختار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك 18 وزيراً من بين أكثر من 70 اسماً رشحتهم قوى الحرية والتغيير، لشغل الحقائب الوزارية، وفقاً للمعايير الموضوعة، إضافة إلى وزيرين هما "الدفاع والداخلية" اختارهما المكون العسكري في مجلس السيادة.
وكانت قوى الحرية والتغيير قد وضعت معايير محددة لاختيار الوزير في الحكومة الانتقالية على رأسها الكفاءة والمهنية في المجال المعني، تطبيقاً لما تم الاتفاق عليه مع المجلس العسكري والشارع السوداني بأن تشكل الحكومة من "تكنوقراط".
ووفقاً للكفاءات التي أهلت الوزراء للفوز بمقاعد الوزارات في الحكومة الإنتقالية، فإن الأسماء المختارة تمثل كل السودان بأقاليمه المتعددة، فقد حرص رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، على ضرورة تمثيل مناطق السودان المترامية في الحكومة الانتقالية حتى يغلق الباب أمام المطالبات الجهوية بالبلاد.
وقد تولدت خلال المرحلة الماضية المطالب الجهوية بالتمثيل العادل لهم في مؤسسات الحكم، وفقاً للسياسة التي كان يتبعها النظام الإخواني البائد الذي اعتاد على أن يرى السودانيون في حكوماته التي يشكلها كل حين أوجهاً مختلفة من إقليم واحد تشغل وزارات متعددة في الدولة.
تحقيق السلام
أول التحديات التي تواجه حكومة حمدوك هو تحقيق السلام؛ حيث إن غيابه يعني صعوبة تحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي، بحسب المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم.
وقال عبدالعظيم لـ"العين الإخبارية" إن تحقيق السلام سيكون على أولويات الحكومة الانتقالية، لا سيما أن حمدوك أشار إلى ذلك في مؤتمره الصحفي، أمس؛ حيث بدأ جاداً في استعداد الحكومة لإجراء محادثات سلام مع الحركات المسلحة في دارفور والمنطقتين من خلال الشروع في تشكيل مفوضية السلام التي تتولى الإشراف على العملية التفاوضية.
وحسب وثائق الاتفاق الذي أسس للفترة الانتقالية، فإن الحكومة عليها أن تعمل على تحقيق السلام في ٦ شهور من عمر المرحلة الانتقالية، من خلال التفاوض مع الحركات المسلحة في دارفور والمنطقتين.
وقبل يومين تقدم رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت بمقترح لاستضافة جوبا لمحادثات السلام السودانية التي ستكون برعاية دول الجوار ودولتي "الإمارات والسعودية".
تفكيك الدولة العميقة
المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم يرى أن حكومة حمدوك ستواجه أيضاً تحدي بناء مؤسسات الدولة التي تمتلئ بعناصر النظام السابق، والذين سيعملون على مقاومة عملية البناء لاستمرار مصالحهم الشخصية والتنظيمية.
وتابع: "كما أن الحكومة عليها أن تعمل بجدية لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب حتى تسهل عملية تدفق الأموال والتحويلات الخارجية عليه، بما يصب في صالح تحسن الخدمات ومعاش الناس".
وأكد عبدالعظيم أن الطاقم الوزاري الذي اختاره حمدوك متوازن وتقيد بالمعايير المطلوبة، مضيفاً "لكن الأهم فيه هو أن حمدوك بشخصه وكارزيميته يستطيع أن يخلق انسجاماً بين هذه الكفاءات ويقود هذه الحكومة إلى منصة الانطلاق، كما أن بعض الملفات سيتولاها حمدوك بنفسه".
وحظيت حكومة حمدوك بتمثيل إيجابي للمناطق المتأثرة بالحروب والنزاعات بتميير إيجابي، خصوصاً إقليم دارفور الذي عانى سكانه من ويلات الحرب التي شنها النظام السابق عليهم، نتيجة تمرد بعض أبنائه بسبب التهميش التنموي والسلطوي.
وأسندت أكثر من وزارة لكفاءات من دارفور على رأسها وزارة مجلس الوزراء التي اختير لها الدبلوماسي عمر بشير منيس، وهو أحد كوادر الدبلوماسية السودانية، كان قد أحاله النظام السابق إلى الصالح العام من عمله بوزارة الخارجية.
كما أسندت وزارة العدل لكفاءة أخرى من دارفور هو المستشار القانوني نصرالدين عبدالباري، وهو أكاديمي وباحث ومستشار مستقل في القانون الدولي، والقانون الدستوري، وقوانين وسياسات الهجرة والمواطنة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ويحمل بكالوريوس وماجستير القوانين من جامعتي الخرطوم وهارفارد.
تمهيد الطريق للحكم الرشيد
المحلل السياسي صلاح شعيب، يؤكد لـ"العين الإخبارية" أن تشكيل الحكومة الانتقالية يمهد الطريق نحو الحكم الرشيد بالسودان.
وأوضح أن حكومة حمدوك ستكون مدعوة إلى السير نحو الطريق الصحيح لإعادة بناء مؤسسات الدولة لكنها ستكون محاطة بتحديات عظيمة.
وعلى رأس تلك التحديات التي تواجه حكومة حمدوك بحسب "شعيب" هي التركة المثقلة التي خلفها النظام الإخواني السابق، قائلاً إنه لا إمكانية لنجاح كل الكفاءات التي تعج بها الحكومة في تحقيق الإصلاح، إلا إذا أسهمت في تنقية بيئة الوزارات من الفساد الإداري الذي ران عليها في الثلاثين عاماً الماضية.
وأضاف "إذا كان رئيس الوزراء نفسه ركز على أمر إنجاز السلام أكثر من مرة، كشرط لإعادة البناء فإن معالجة الخلل المؤسسي داخل بنية العمل الوزاري - وما يشمل ذلك من محسوبية، وفساد، ونهج أيديولوجي، وغياب للكفاءة، وترهل الوظائف، وفقدان المحاسبية، وغيرها من المشاكل - يتطلب وضع السلام كأولوية للعلاج في سلم الاهتمامات الوزارية".
وشدد شعيب على أن الكفاءة وحدها لا تحقق إنجازاً إذا لم تقترن بالفعل الثوري الذي يسهم في مساعدة الوزراء لعمل اختراق في الإصلاح الهيكلي، والمضموني، لعمل هذه الوزارات.
ومن أبرز الكفاءات التي تم اختيارها في الحكومة الانتقالية هي الدبلوماسية أسماء محمد عبدالله، وزيرة الخارجية، وهي دبلوماسية لديها خبرة، أحيلت للصالح العام في عام 1990 بواسطة النظام الإخواني البائد، بعد أن وصلت إلى درجة وزير مفوض.
واعتبر كثير من الدبلوماسيين السودانيين أن اختيار أسماء عبدالله خطوة ستعيد توازن علاقات السودان الخارجية إلى مسارها الطبيعي، بعد سنوات من العزلة الدولية بسبب سياسات النظام الإخواني التي وضعت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
إصلاح الاقتصاد التحدي الأبرز
يعتقد الخبراء أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد حالياً بين أبرز التحديات أمام الحكومة الانتقالية، إذ إن عامة المواطنين السودانيين ما يهمهم هو وضعهم المعيشي الذي وصل إلى مرحلة متدنية بسبب سياسات النظام البائد.
وتشهد الأسواق السودانية ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع الاستهلاكية لدرجة يعجز معها أغلب المواطنين عن تلبية احتياجاتهم منها.
ويرى الباحث الاقتصادي في مجال التنمية والسياسات العامة، نجم الدين داؤود، أن التحدي الأبرز الذي يواجه الحكومة الانتقالية هو إحداث تحول كلي في بنية الاقتصاد السوداني من اقتصاد ريعي طفيلي يقوم على العطايا والجبايات والمضاربات السوقية إلى اقتصاد تنموي إنتاجي يعتمد بشكل أساسي على الأعمال الإنتاجية والخدمية.
وأضاف في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "التحدي المباشر الذي يهم جميع السودانيين والذي يحتاج إلى تدخل عاجل هو تحسين ظروف الحياة المعيشية للناس والقضاء على الفقر المدقع الذي يعيشه معظم السودانيين، والذي يتطلب في المقام الأول إنهاء الحرب وبناء سلام دائم يمكن المواطنين في مناطق الإنتاج من مزاولة نشاطهم الإنتاجي دون خوف أو حاجز".
وأكد داؤود أن ذلك يتطلب أيضاً توفير المدخلات الإنتاجية ووضع سياسات وإجراءات اقتصادية تشمل كل القطاعات الاقتصادية وتعمل على إزالة الأسباب الرئيسية للفقر المتمثلة في ضعف الدخول والأجور وارتفاع الأسعار الناتج عن التضخم وضعف القوة الشرائية للجنيه السوداني.
aXA6IDE4LjExOS4xMjQuNTIg
جزيرة ام اند امز