صانعو السلام لا يترددون.. شجاعة القرار الإماراتي
أبوظبي اختارت موقع صانع السلام، أما التبعات فقد تكون هينة ومقبولة إذا اغتنمت جميع الأطراف هذه الفرصة لتعزيز سلام حقيقي في المنطقة.
رسائل واضحة وجهها الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، إلى الفلسطينيين والعالم خلال جلسة حوارية عبر "الفيديو كونفرانس" عن معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية في المجلس الأطلسي (مؤسسة بحثية متخصصة بالشؤون الدولية)، الخميس.
لعل أحد أبرز الرسائل التي أرادت الإمارات أن يعلمها العالم هو شجاعة قرار القيادة الإماراتية بالدخول في معاهدة سلام مع إسرائيل، رغم المعرفة التامة بتبعات ذلك القرار ومخاطره، لكن صانعي السلام لا يترددون.
وقال الدكتور قرقاش خلال الجسلة الحوارية: "معاهدة السلام مع إسرائيل كانت خطوة شجاعة من ولي عهد أبوظبي، وكانت واحدة من أهم القرارات الاستراتيجية".
وتابع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية: "كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يدرك أن الاتفاق ستكون له تبعات ومخاطر".
ماذا تعني كلمات قرقاش؟ هي بالفعل رسالة تقول إنه بموجب الاتفاق التاريخي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل اختارت أبوظبي موقع صانع السلام.
أما التبعات فقد تكون هينة ومقبولة إذا اغتنمت جميع الأطراف هذه الفرصة لتعزيز سلام حقيقي في المنطقة.
تبعات أدركتها قيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكنه رأى ما هو أبعد من ذلك، رأى في القرار فرصة حقيقية للعب دور صانع السلام، المنطقة أحوج ما تكون إليه حاليا.
وفي افتتاحيتها بعنوان "كيف تجعل اتفاق الإمارات مع إسرائيل تاريخيا فعلا؟"، الإثنين، قالت مجلة بلومبرج الأمريكية، "القرار المفاجئ والمرحب به الذي اتخذته الإمارات بمباشرة العلاقات مع إسرائيل يمثل بلا شك انتصارا لكلا البلدين ولإدارة الرئيس دونالد ترامب، التي ساعدت في التوسط في الاتفاق.. لكن ثمة نصرا أكبر يمكن تحقيقه، رغم ذلك، إذا اغتنمت جميع الأطراف هذه الفرصة لتعزيز سلام حقيقي في المنطقة".
قيادة الإمارات أدركت مبكرا أن أصوات المتاجرين والمخونين ستعلو عقب الإعلان عن الاتفاق التاريخي، ورغم ذلك واصلت مسعاها في تحقيق الإنعاش المطلوب لعملية السلام، مقررة اتخاذ خطوة إيجابية للأمام بعيدة عن "الجعجعة السياسية" أو المتاجرة بقضية وآلام الشعب الفلسطيني.
ويتساءل الخبير في الشؤون العربية أشرف أبوالهول عن انتقادات المتاجرين بالقضية الفلسطينية، ومحاولات تحريضهم ضد الاتفاق التاريخي، بسؤال مشروع ماذا لو كان هذا الاتفاق تم بين قطر وإسرائيل؟ هل كانت معارضة حماس ستكون بهذه القوة أم أنهم كانوا سيقولون إن هذا لمصلحة الشعب الفلسطيني؟
وتابع أبوالهول، مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية، في تصريح لـ"العين الإخبارية": "نحن نعلم جيدا طبيعة العلاقة بين قطر وإسرائيل وكيف أن قطر تمول شهريا حماس بأموال تدخل عبر اتفاق مع إسرائيل، وليس أدل على ذلك من زيارات المسؤولين الإسرائيليين للدوحة".
وبطبيعة الحال لا تصل الأموال القطرية للسلطة الفلسطينية الممثل الشرعي للفلسطينيين، لأنها تخدم أجندة خاصة لقطر وتزيد من عمق الانقسام الفلسطيني.
وبحسب خبراء تحدثوا سابقا لـ"العين الإخبارية"، فإن الموقف التركي لا يختلف كثيرا عن نظيره القطري المتاجر بمصالح الفلسطينيين وقضتيهم العادلة، فتناقضات أنقرة الحليف القوي لتل أبيب وصاحبة العلاقات التجارية والاقتصادية معها والتي انطلقت عام 1949، تظهر دوما انتهازية سياسية ومتاجرة بالقضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية.
ويسعى النظام التركي عبر بروباجندا مضللة لاكتساب مكانة زائفة، لم تقدم في الواقع ما يبرهن على ذلك، بعكس المبادرة الإماراتية التي يتوقع أن تحقق انفراجة كبيرة تخدم القضية الفلسطينية، بدأت فعليا بقرار إيقاف الخطوة الإسرائيلية بضم أراضٍ فلسطينية.
في المقابل، وبحسب المراقبين، تعمل دولة الإمارات وقيادتها في النور، ولا تخشى التبعات خاصة في حال القرارات المصيرية مثل الدخول في معاهدة سلام مع إسرائيل، لتحريك المياه الراكدة لصراع تجاوز 72 عاما، تخللتها مبادرات سياسية ومفاوضات عربية للسلام، لم تكلل إحداها بنجاح مكتمل عبر اتفاق، ينهي النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
نفس الرسائل الخاصة بمعاهدة السلام أبرزها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأكد، في مقابلة مع فضائية "سكاي نيوز" منذ يومين، أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على وقف ضم أراضٍ بالضفة الغربية، وستسمح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى، بناء على معاهدة السلام مع الإمارات.
ولخص نتنياهو في المقابلة ما أحدثته المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية في نقاط واضحة أبرزها: ستساهم في إرساء السلام والاستقرار في المنطقة، وقف ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية، السماح للمسلمين بالصلاة في المسجد الأقصى، الدفع بعملية السلام الشاملة إلى الأمام، مجالات للعمل المشترك تستهدف رفاهية كل المنطقة، وقف حالة الحرب والعداء التي أنهكت المنطقة ومواردها وشعوبها.
وقبل اسبوع، اتفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتفق، الخميس، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات، خلال اتصال هاتفي، على مباشرة العلاقات الثنائية الكاملة بين الإمارات وإسرائيل.
وبحسب بيان ثلاثي مشترك، فإن من شأن هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي أن يعزز من السلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة والرؤية التي تحلى بها القادة الثلاثة، وعلى شجاعة الإمارات وإسرائيل لرسم مسار جديد يفتح المجال أمام إمكانيات كبيرة في المنطقة.