مع أن اللحظة الراهنة للحرب الإسرائيلية التدميرية ضد قطاع غزة عقب هجوم حماس الدموي في السابع من الشهر الماضي، تشي بصعوبة الحديث عن عملية سلام في المستقبل القريب، إلا أن تجارب التاريخ تخبرنا أن لا حرب دون نهاية.
وكي لا نشهد جولات أخرى من الحرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين في المستقبل، لا بد أن تعقب الجولة الحالية من الحرب، عملية سلام تفضي إلى تحقيق حل الدولتين، وأن تسود ثقافة التعايش المشترك بدلا من محاولة كل طرف القضاء على الثاني، انطلاقا من أيديولوجيات دينية متطرفة، وأساطير تاريخية، وأجندة خارجية، شكلت كلها مقدمات لكل هذا الدمار والخراب والأعداد الكبيرة من الضحايا، لاسيما في صفوف المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ.
هل يمكن أن تولد عملية سلام من رحم هذه الحرب تؤدي إلى تحقيق حل الدولتين؟ الثابت أن حماس وحكومة بنيامين نتنياهو، لا تريدان مثل هذا الحل؛ فالأولى تنطلق من شعارات أيديولوجية كلية لا تؤمن بالسلام والتعايش مع إسرائيل كدولة، فيما الثانية تعتمد سياسة الأمر الواقع من أجل القضاء على القضية الفلسطينية، وهي في سبيل ذلك تشرع الأبواب أمام الاستيطان والحصار والتهجير والاعتقال والقتل، بهدف قطع الطريق أمام حل الدولتين.
ولعل كل ما فعله نتنياهو خلال فترة حكمه التي هي الأطول في تاريخ حكومات إسرائيل كان لهذه الغاية، وعليه كل ما جرى خلال العقود الماضية، وتحديدا بعد حرب عام 1967، كان أشبه بالدوران في حلقة مفرغة، فيما الواقع الحالي يؤكد ضرورة التوصل إلى سلام يضع حدا لهذا الدوران في الفراغ، ووضع نهاية للمأساة الفلسطينية، وما يتسببه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني من محن للمنطقة واستقرارها وازدهارها، فضلا عن توفيره مدخلا للعديد من الدول التي لها أجندات ومشاريع خاصة للتغلغل في المنطقة، والتدخل في شؤونها، ومحاولة السيطرة عليها.
ماذا يعني ما سبق؟ سؤال قد يكون الكثير من جوابه في الحوار الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، لـ«بلومبرغ»، تحديدا عندما أكدت حاجة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى قيادة جديدة من أجل الحصول على فرصة لتحقيق السلام بعد حرب غزة، وحقيقة لا حماس ولا حكومة نتنياهو مؤهلتان لمثل هذه العملية من أجل السلام، وإذا كان الثابت أن حماس بعد هذه الحرب لن تكون كما قبلها، خاصة في ظل الإصرار الإسرائيلي على القضاء على حكمها في غزة، فضلا عن الرفض الواسع لها بعد تسببها بهذه الحرب التدميرية ضد الفلسطينيين، فإن ثمة إجماعاً على أن مصير نتنياهو السياسي شارف على الانتهاء، وربما تكون نهايته السجن في ظل تحميل الإسرائيليين حكومته اليمينية المتطرفة مسؤولية ما جرى في غلاف غزة.
وعليه يرى كثيرون أن السبب الرئيسي لإصرار نتنياهو على المضي في هذه الحرب، هو ربطه كل ما جرى ويجري بمصيره السياسي والشخصي، وأنه لن يوقف هذه الحرب بحثا عن أوهام نصر تنقذه من المحاسبة.
ولعل ما سبق يثير تساؤلات كثيرة، في مقدمتها موقف إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن؛ إذ كيف يستقيم دعمه اللامحدود لنتنياهو في هذه الحرب مقابل حديثه عن تمسك إدارته بحل الدولتين ورفضها إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة؟! تساؤل ربما يثير استفهامات أكثر عمقا، لعل أهمها هل أرادت الإدارة الأمريكية التخلص من حماس وحكومة نتنياهو معا، كخطوة لابد منها من أجل إطلاق عملية سلام في المنطقة، تتجاوز الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني لتشمل المنطقة بعد أن شهدت خلال السنوات الماضية اتفاقات سلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، وصلت إلى حد الحديث عن قرب التوقيع على اتفاق بين إسرائيل والسعودية برعاية أمريكية؟
قد لا يكون الكثير من الأمور واضحاً، بسبب تعقيدات الحرب واختلاف حسابات الأطراف المعنية، لكن الثابت أن استقرار المنطقة بحاجة إلى عملية سلام تفضي إلى حل الدولتين، وأن إطلاق هذه العملية بحاجة إلى دبلوماسية شجاعة مبدعة، على شكل مبادرة تشارك فيها دول عربية فاعلة إلى جانب الولايات المتحدة وربما الصين وحتى الأمم المتحدة؛ إذ إن مثل هذا التنوع سيعطي قوة حقيقية لإنجاح مثل هذه المبادرة حتى لو اختلفت الأولويات بين هذه القوى أو الأطراف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة