ما من أحد يمكنه القول إن روسيا ربحت المعركة في أوكرانيا.. وفي الوقت نفسه لا أحد يمكنه القول إنها هُزمت.
الموقف بين روسيا والغرب -على أرض الملعب الأوكراني- هو نصف فوز لروسيا قد يمكنها من التفاوض، ومن مصلحتها أن تفاوض لإنهاء هذه الرحلة الشاقة، التي أرهقت العالم كله.
ويعتقد المراقبون أن واشنطن تتلقى ضغوطا كبيرة من الدول الأوروبية للعمل على وقف هذه الحرب لأن دول أوروبا كلها هي الخاسر الحقيقي، وليس الولايات المتحدة.
الضغوط الأوروبية لا شك مؤثرة في القرار الأمريكي، وعليه فإن الأوضاع تشي بأنها قد أصبحت ناضجة للتفاوض الأمريكي-الروسي لوضع حد لهذه الحرب أو محاصرتها والتقليل من آثارها السلبية، لكن ذلك لا يزال يصطدم بتعنت اللاعبيْن على أرض الميدان، كييف وموسكو.
روسيا تبحث عن التفاوض مع كييف، ولكن بشروطها، أما الأخيرة فتنتظر حلا من دول الاتحاد الأوروبي، شرط "محاسبة" روسيا، وبين المحاسبة المطلوبة من أوكرانيا والاعتراف المطلوب لروسيا بجميع الأقاليم التي أعلنت ضمّها، وموقف واشنطن الداعي إلى وقف قد يكون ظاهريا لإطلاق النار فورا كبادرة حُسن نية للذهاب إلى طاولة الحوار، يقف العالم متفرّجا، بانتظار مشهد إخراجي يختتم مسلسل هذه الحرب، على أن تحفظ الحلقة الأخيرة منه لأبطال هذا العمل ماء وجوههم.
عمليا، تشهد الساحة الروسية الأوكرانية كيلا من الاتهامات المتبادلة حول مَن يريد فعلا -لا قولا- الذهاب إلى طاولة المفاوضات، ومَن يستنزف الوقت لصالحه بُغية تحقيق أهداف جديدة، حيث أعلن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي أن موقف بلاده كان واضحا لجهة عدم إغلاق باب التفاوض مع أوكرانيا، وأن روسيا لا ترفض مواصلة المفاوضات، معتبرة أن الرئيس الأوكراني "لا يُبدي أيّ اهتمام بالمفاوضات"، والدليل على ذلك محاولته جرّ حلف الناتو لصراع مع روسيا بعد حادثة سقوط صواريخ في بولندا.
كما تعتبر موسكو أن قرار استئناف المفاوضات "يُتخذ في واشنطن"، مهما رُوِّجَ لفكرة ترك الأمر لكييف.
وفي الجانب الآخر، اعتبر أندريه يرماك، أحد كبار مساعدي الرئيس الأوكراني، أن السلام مع روسيا "لن يكون ممكنا إلا عندما يتم تدمير الجيش الروسي وبعد استعادة أوكرانيا المقاطعات الأربع التي أعلنت روسيا ضمها إلى جانب شبه جزيرة القرم".
وفي تصريحات سابقة للرئيس زيلينسكي أمام المشاركين في منتدى الأمن الدولي في مدينة هاليفاكس بكندا، اعتبر أن أي اتفاق يحمل مضمونه تنازلا عن أراضي بلاده أو سيادتها "لا يمكن اعتباره سلاما"، لتعرب كييف لاحقا على لسان وزير خارجيتها "كوليبا" أنها ترغب في عقد "قمة سلام" بحلول نهاية فبراير/شباط المقبل، مضيفًا: "يفضّل أن تكون على منصة الأمم المتحدة مع الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش وسيطًا محتملًا".
في المقابل، تعتبر روسيا أن وضع شروط مسبقة لأي حوار أو مفاوضات سلام ستجري مع كييف "أمرا مرفوضا"، وعبّرت عن ذلك على لسان الناطق باسم الرئاسة الروسي، ديمتري بيكسوف، ردّا على سؤال ما إذا كانت موسكو مستعدة للتفاوض في ظل ظروف معينة من كييف، بقوله: "روسيا لن تتبع شروط الآخرين".
المواقف المتشددة حيال التفاوض والحوار يتم إعادة تدويرها، ففي مقابلة أجراها وزير خارجية أوكرانيا مع "أسوشييتد برس"، عبّر عن موقف أكثر ليونة وتعقلا، حيث اعتبر أن "الحروب تنتهي بطريقة دبلوماسية" وتكون نتيجة للتطورات في ميدان المعارك والحوار على طاولة المفاوضات.
فهل سنشهد مع بدايات العام الجديد حلحلة الوضع المأزوم بين كلا الطرفين؟ وهل ستتكون قناعة قريبة عند كلّ من أمريكا وروسيا بوجوب التفاهم وحلّ ما كان عالقا بينهما عن طريق الدبلوماسية للحدّ من الخسائر المادية والبشرية التي أرهقت الجميع؟
سنرى في قادم الأيام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة