سعت جماعة الإخوان الإرهابية منذ زمن للمتاجرة بالدين الإسلامي والوحدة الوطنية في مصر، فيما هي لا تؤمن بمكونات المجتمع ولا تحترم الآخرين.
فأغلب حوادث الفتنة الطائفية في مصر كان الإخوان حاضرين فيها، بالتحريض تارة، وبرفض المكون المختلف عنهم تارة أخرى، وكل محاولات الإخوان التقرب من أقباط مصر في حقب زمنية مختلفة كان الهدف منها سياسيًا لاستعطاف الغرب، الذي يرى فرقا شديدا بين ما يُصدّره الإخوان من أفكار وبين ممارساتهم المتشددة.
استخدمت جماعة الإخوان الإرهابية الأقباط كورقة سياسية، حتى تظهر أمام الداخل والخارج كأنها جماعة ليبرالية تقبل الآخرين وتتعايش معهم، وإذا كانت جماعة الإخوان تقبل هكذا ببساطة المختلفين معها في العقيدة، فأحرى بها أن تقبل هؤلاء المختلفين معها في الفكر والتوجه السياسي، لكنها مراوغة التنظيم الذي يحاول فاشلا إيصال صورة عكسية عن واقعه البائس المستبد.
إن الإخوان يضيقون بالمختلفين عنهم ومعهم على مستوى الفكر، فما بالك بالمختلفين على مستوى العقيدة، فالجماعة التي كانت تحضر قداس عيد القيامة لأقباط مصر عندما كانت في مقاعد المعارضة، هي نفسها التي رفضت أن تُشارك الأقباط فرحتهم عندما كانت في السلطة، والأكثر من ذلك أنها كانت تحرّض ضدهم.
كانت جماعة الإخوان الإرهابية حريصة على إظهار تهنئتها أقباط مصر كل عام، بل كانت تشهد حضور القداس ليلة رأس السنة الميلادية، وعندما وصلت إلى السلطة في ظروف فوضى أحداث ما بعد 2011، تجاهلت الحضور وتجاهلت التهنئة المغموسة بالحب كما كانت تصوّر، وكان هذا تعبيرا عن موقف التنظيم من الأقباط، حتى مرت شهور قليلة وتم الاعتداء على المقر البابوي وقت سلطة الإخوان، بل وحمت الجماعة هؤلاء المعتدين، الذين ما كان لهم أن يفعلوا ذلك إلا في ظل حماية الجماعة ودعمها.
الأدل على ذلك أن الإخوان قاموا، بأنفسهم أو من خلال آخرين حرضوهم، بحرق بعض الكنائس في مصر، لا لشيء إلا لأن الأقباط انحازوا إلى ثورة 30 يونيو الشعبية عام 2013 ضد حكم الجماعة، وهنا تحولت أحاديث الجماعة الإرهابية في السابق وفق قاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" لمجرد شعار كاذب كان هدفه الترويج السياسي.
ظهرت نيّات جماعة الإخوان الإرهابية بوضوح تجاه أقباط مصر، بتحريضهم على العنف تجاههم وقتلهم والاعتداء على دور عبادتهم.. نيّات أظهرها الظرف السياسي، الذي سمح لهم بالصعود إلى السلطة، فأظهر خبيئة صدورهم الموغلة في الكراهية والحقد على كل ما هو ليس إخوانيا.
لم يُخفِ الإخوان حقدهم على الأقباط، بل أعلنوا ذلك كثيرا، وحمّلوا المسيحيين نتائج ما أسموه "التغيير السياسي في مصر"، رغم أن ثورة 30 يونيو خرج فيها كل طوائف الشعب المصري، والأقباط، كجزء من المصريين، كانوا في القلب من هذه الثورة الشعبية، التي لم نسمع أحدا يقول إنه كانت لها أي صبغة دينية، لكن بقي الإخوان على وهمهم واستمروا في التحريض ضد الأقباط حتى تم حرق كنائسهم.
كذلك فإن الحملة، التي تعرض لها مؤخرًا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، الذي قال إن الإسلام "لا يُعارض تهنئة المسيحيين بأعيادهم، بل يحض على ذلك، فهي من أعمال البر الواجبة"، كانت بداية التحريض فيها عند الإخوان، الذين اعتادوا الهجوم على المؤسسة الدينية الإسلامية، ممثلة في الأزهر، وعلى الكنيسة المصرية الوطنية، والتي تمثل مصر قبل أن تمثل الأقباط.
إنه لدليل جديد يؤكد خلط الإخوان الدين بالسياسة، ودليل على أن تهنئتهم الأقباط في سنوات سابقة لم تكن إلا لأهداف سياسية بحتة، فالجماعة تجيد التلاعب بورقة الدين في المواقف السياسية من أجل الوصول إلى أهدافها المسمومة، وهو ما دفع الأقباط للخروج عليهم، كما دفع عموم المصريين للثورة عليهم أيضًا، نظرًا لتوظيفهم الدين في شؤون الدنيا والصراع السياسي.
لقد سبق وتم الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية، المقر البابوي في القاهرة، في شهر أبريل عام 2013 أثناء حكم الإخوان لمصر، ورغم تعهد الرئيس الإخواني وقتها بما أسماه "الحفاظ على حياة المسيحيين"، الذين أتوا لتشييع جنازة 6 منهم قُتلوا في أحداث فتنة طائفية، فإن الاعتداءات استمرت حتى تمت إصابة 66 مسيحيًّا، كما قُتل قبطي أمام المقر البابوي!
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل فوجئنا من واقع كذب الإخوان ومتاجرتهم بدماء المسيحيين بتصريح من قبل أحد أعضاء مكتب الإرشاد، وهو في الوقت نفسه كان مستشار الرئيس الإخواني للشؤون الخارجية، بتصريحات لقنوات أجنبية يقول فيها إن الكنيسة "هي من بدأت بالاعتداء على المارة"! بينما أصدر بيانًا باللغة العربية كان يُخاطب فيه الرأي العام في الداخل ليعلن فيه -تناقضا- تضامنه مع الكنيسة!
ونشر الإخوان بيانَين على موقعهم في ذلك الوقت، أحدهما بالإنجليزية يغاير ما جاء في الثاني، الذي نُشر بالعربية، ما استدعى البابا تواضروس لوصف ما قاله مستشار الرئيس الإخواني بأنه "كذب إنجليزي".
هنا أدرك المصريون رهان الإخوان على تفكيك المجتمع والانتقام من الأخوة الأقباط، شركاء الوطن، الذين عانوا الويلات من الإخوان، مثلهم مثل بقية الشعب المصري خلال فترة وجودهم في السلطة.
كان الفارق بين أداء الإخوان قبل السلطة وبعدها كبيرا وكاشفا، حيث تلاشت شعارات الجماعة، التي كانت تُصدرها للمجتمع بين وقت وآخر، فحرك الإخوان عشرات الاعتصامات والتظاهرات التي تنال من العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مصر، ولم يكن يمر شهر حتى نجد واقعة إما قتل مسيحي، وإما مظاهرة في شوارع القاهرة تهين عقيدته، وإما قضية فارغة تثير إرهابا في نفوس الناس، مسلمهم ومسيحيهم، لعبًا على وتر الفتنة والعبث بالنسيج المجتمعي وسلمه وأمانه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة