لم تكن سياقات المصالحة بين تركيا وسوريا نهاية عام 2022 مفاجئة، بقدر ما كان نسقها سريعًا إلى حد كبير، لا سيما أن الرئيس التركي أعلنها صراحة، وكشفت وسائل الإعلام في بلاده كل جديد حولها.
لكن الوساطة الروسية بين الجانبين طوت -أو كادت تطوي- صفحة الخلاف بين أنقرة ودمشق على مدى عقد من الزمن، دون أن نغفل التطورات الكبيرة، التي طرأت على علاقة البلدين بُعيد بدء الأزمة السورية عام 2011.
بيد أن كلمة السر في مسارعة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتحقيق النقلات النوعية الخاصة بالمصالحة بين البلدين الجارين، مرتبطة بحليف الرئيس التركي الأبرز داخل تركيا، وهو دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، الذي يمتلك قرابة 11% من مقاعد البرلمان التركي.
فـ"بهجلي" سبق له أن طالب الحكومة التركية بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا على أعلى المستويات، وفتح باب التواصل على مصراعيه، حتى إنه أشار في خطاب سابق له بضرورة استفادة تركيا مما أسماه "نفوذ موسكو في سوريا"، بغية إيجاد أرضية مناسبة تمهد لقمة بين الرئيسين التركي والسوري.
كذلك فإن رياح الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا بدأت مبكرًا، ما يجعل حزب "العدالة والتنمية" الحاكم أمام مفترق طرق، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار قرار حليفَي الرئيس أردوغان ومساعديه السابقين، أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان خوض السباق الانتخابي بتحالفات متعددة.
ولعل إغلاق ملف الخلاف مع دمشق، وتدشين مرحلة جديدة من التعاون بين سوريا وتركيا على مستوى الحكومتين، له تأثير واضح في مجريات الأحداث داخل سوريا، فيما تُطل قضية "قوات سورية الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية برأسها هنا، فحكومة دمشق كما الحكومة التركية، لديهما مقاربة واضحة باعتبار هذا الفصيل "غير شرعي"، بل و"إرهابي"، في الوقت نفسه تعتبر واشنطن هذه القوات "رديفا أساسيا" على الأرض لقوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش" الإرهابي.
وإن كان من قمة مرتقبة في موسكو بين الرئيسين السوري والتركي برعاية مباشرة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فإن أولويات الحل السياسي في سوريا ستكون مرهونة بشكل أو آخر بمقاربات أوروبا وأمريكا، لأن الأمريكيين والأوروبيين لديهم قراءة مغايرة ستحمل في طياتها كثيرًا من الشروط والتصريحات التي تسبق وتعقُب المصالحات والمصافحات.
وللدول العربية المؤثرة رؤية مشتركة وواضحة تخص سوريا، قوامها الحوار والسلام المستدام، الذي يخدم الجميع ولا يهدم النسيج الوطني لهذا البلد العربي الكبير، بعد سنوات طويلة من الحرب وعدم الاستقرار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة