عبدالله بن بيه بـ"تعزيز السلم": حلف الفضول يقدم مفهوما جديدا للإنسانية
الشيخ عبدالله بن بيه يؤكد أن مفهوم التسامح مفهوم وظيفي يهدف إلى تحييد التأثير السلبي للاختلاف في المعتقد والاختلاف الجبلي في الآراء.
أكد الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى تعزيز السلم، أن ميثاق حلف الفضول الجديد يقدم مفهوما جديدا للإنسانية يتجاوز المبدأ المحايد لحقوق الإنسان ليرتقي إلى إيجابية قيم الفضيلة، وقيم المحبة والأخوة، والرأفة والرحمة والإيثار والتضامن ومساعدة المحتاج من الفقراء والعاجزين دون التفات إلى عرقهم أو دينهم أو أصولهم الجغرافية.
جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى السنوي السادس لمنتدى تعزيز السلم الذي تستضيفه العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال الفترة من 9 إلى 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وقال: "هذا الحلف الذي اختار اسم حلف الفضول الجديد يأتي استلهاما لذكرى حلف الفضول التاريخي، هو حلف فضيلة وتحالف قيم مشتركة، يسعى أصحابها إلى تمثُّل هذه القيم في علاقاتهم وإلى الدعوة إلى نشرها وامتثالها في حياة الناس، وسبيلُها تقديم النموذج والمُعَبّر عنها هو الحوار والإقناع، وغايتها حسن التعايش بين البشر في ظلّ سلام لا يحميه السلاح، ولكن تحميه الأخلاق وقيم التسامح والعدل والمحبّة واحترام الإنسانية".
وأشار الشيخ عبدالله بن بيه إلى أن ميثاق حلف الفضول الجديد يستمد ويؤسس على كلّ الوثائق والإعلانات التي سبقته، والتي شكّلت بمجموعها معالم بارزة في مسيرة التعاون بين الأديان لإرساء قيم التعايش وتحقيق التوافق بين مكونات المجتمع الإنساني؛ حيث يأتي الميثاق اليوم ليؤكدها ويستند إليها.
وأضاف: "يسعى ميثاق حلف الفضول إلى الارتقاء من الحق إلى الفضيلة؛ فالتعامل انطلاقا من مبدأ الحقوق يقتضي الاقتصار على منح الآخر ما هو أصلا له، أو الكفِّ عن التعدي عليه، بينما التعامل انطلاقا من الفضائل يحتوي معنى المكارمة والإحسان فهو بذل في غير مقابل وتنازل للآخر عما ليس له بحق".
وتابع: "يرتكز ميثاق حلف الفضول الجديد في مرجعيته على الأرضية الصلبة التي تشكلها المشتركات الخاصة بديانات العائلة الإبراهيمية، وهي مشتركات الإيمان، المبثوثة في كل رسائل ودعوات الأنبياء، تلك المشتركات تدور حول ما سماه الفقهاء المسلمون بالضروريات الـ5، وهي ضرورة الدين وضرورة الحياة وضرورة العقل وضرورة الملكية وضرورة العائلة".
وأوضح رئيس منتدى تعزيز السلم أن الميثاق يعتمد على المشترك الإنساني الأشمل الذي هو القيم الكونية التي لا تختلف فيها العقول ولا تتأثر بتغيّر الزمان أو محددات المكان، أو نوازع الإنسان.
وأكد أن السلم يقع في مقدمة أهداف حلف الفضول الجديد ومقاصد الشراكة بين أطرافه، مشيرا إلى أن الميثاق يربط جميع الحقوق والحريات باستراتيجية السلم.
وأضاف: "لا حقوق ولا حريات خارج أفق الوئام المجتمعي؛ فالتسامح المطلق يؤدي إلى اللاتسامح وإلى تلاشي التسامح، تلك هي مفارقة التسامح التي تحدث عنها كارل بوبر وغيره".
وقال الشيخ عبدالله بن بيه: "نحتفي في الإمارات بالتسامح عنوانا لسنة 2019؛ حيث اختاره الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، قيمة مركزية عليها مدار جميع المبادرات والتدابير طيلة العام، فانطلقت بإشراف من الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، البرامج التوعوية والتعليمية واتخذت التدابير العملية التربوية والقانونية لغرس ثقافة التسامح وترسيخ معاني الأخوة الإنسانية وتعزيز السلم في العالم".
وتابع: "ينطلق منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في تناوله للقضايا المُهمّة من رؤيته لمركزيّة السلم وأولويته، يؤسّس على ما راكمه في ملتقياته السّابقة من تأصيلات علمية وتنزيلات عملية، وفق منهجيّته الأصيلة التي تعتمد استثارة النصوص الدينية لاستمداد الأسس المتينة والنماذج المضيئة التي يسهم إحياؤها في إرساء قيم التسامح في النفوس، عن طريق التأويل الملائم للزمان والمكان ومصالح الإنسان".
وأوضح: "لئن كان بعض الدارسين يقولون إنّ التسامح هدية البروتستانتية للعالم؛ فنحن نعتقد أن الديانات المنتمية للعائلة الإبراهيمية جميعها تحمل في نصوصها الكثير من الأسس التي تدعو إلى التّعايش والتسامح".
وأكد أن مفهوم التسامح مفهوم وظيفي يهدف إلى تحييد التأثير السلبي للاختلاف في المعتقد والاختلاف الجبلي في الآراء والرؤى، ويؤسس للتعددية الإيجابية، من خلال رفع التعارض بين الإيمان والتنوع، مشيرا إلى أن الإيمان المطلق بالدين لا يعني عدم قبول التنوع.
وفي ختام كلمته قال الشيخ عبدالله بن بيه: "نضع اليوم بين يديكم ميثاق حلف الفضول الجديد لبحثه ودرسه، والمصادقة عليه، والدعوة إليه، وتفعيله، كلّ في مجاله، ونطاق عمله، وهو ليس مبادئ نظرية، لا فاعلية لها، بل إنّه تمكن ترجمته وبلورته في منهج عملي وبرنامج تطبيقي، يتنزّل في المدارس تعليما للناس، وفي المعابد تعاليم للمؤمنين، وفي ساحات الصراع وميادين النزاع، طمأنينة تحل في النفوس وأَمَلا يَعْمُر القلوب".
