المشروع «آي 119».. هكذا كاد «صراع الفضاء» يدمر القمر

في ذروة التوترات مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، وضعت القيادة العسكرية الأمريكية خطة سرية من أغرب ما كشف عنه الأرشيف لاحقًا.
ففي أعقاب نجاح الاتحاد السوفياتي في إطلاق أول قمر صناعي (سبوتنيك) للفضاء عام 1957، سادت حالة من الذعر بين المسؤولين الأمريكيين.
ورأى صناع القرار الأمريكيون أن موسكو قد تفوقت تقنيًا في الفضاء، ما يُنذر بإمكانية تحويل الفضاء الخارجي إلى ساحة عسكرية تهدد الأمن القومي الأمريكي.
وفي ظل هذا المناخ، قررت قيادة سلاح الجو الأمريكي أن الحل لا يكمن فقط في اللحاق بالتقدم السوفياتي، بل في القيام بأمر يعيد رسم ميزان الرعب، يتمثل في تقجير نووي على سطح القمر، بحسب مجلة «ناشيونال إنترست».
واجهة علمية لخطة عسكرية
لتبرير المشروع أمام الرأي العام والعالمي، طُرح مشروع «آي 119» كمبادرة علمية تهدف إلى دراسة طبيعة سطح القمر وتأثير الانفجارات النووية في بيئة منخفضة الجاذبية وخالية من الهواء.
واقترح بعض العلماء أن الانفجار قد يكشف عن بنية القمر الداخلية، ويساعد على فهم تكوينه الجيولوجي.
إلا أن المخاوف من أن يؤدي التفجير إلى تدمير جزء من القمر أو تلويثه إشعاعيًا، كانت كافية لإثارة القلق داخل بعض الأوساط البحثية.
قنبلة بحجم هيروشيما
قاد المشروع الفيزيائي الأمريكي ليونارد رايفيل من "مؤسسة أبحاث الدروع"، وشارك فيه عدد من العلماء والمختصين في الأسلحة والصواريخ.
وبحسب ما كشفت عنه وثائق الأرشيف، كان من المفترض أن يحمل صاروخا معدّلا، ربما صاروخا باليستيا عابرا للقارات، قنبلة نووية تعادل في قوتها قنبلة هيروشيما (نحو 15 كيلوطنا من مادة تي إن تي)، لتنفجر على سطح القمر أو في المدار القريب منه.
وكان الهدف إنتاج ومضة ضوء وسحابة غبار يمكن رصدها من الأرض بالتلسكوبات، ما يُظهر للعالم حجم القوة الأمريكية، ويجمع في الوقت نفسه بيانات علمية حول التربة القمرية وسلوك الجزيئات في الفراغ.
مخاطر جمّة وقلق أخلاقي
مع تقدم الدراسات، بدأت تتضح مخاطر المشروع، سواء التقنية أو البيئية أو السياسية. فقد يؤدي التفجير إلى تدمير أجزاء من القمر أو التأثير على توازنه، وهو ما قد ينعكس بشكل كارثي على الأرض، خاصة أن القمر يلعب دورًا حيويًا في تنظيم المد والجزر.
كما أن احتمالات فشل المهمة وارتداد القنبلة نحو الأرض، زادت من الشكوك حول جدوى المشروع.
أما على الصعيد الأخلاقي فقد كانت فكرة "عسكرة القمر" مخالفة لروح الاستكشاف السلمي للفضاء، ما كان سيُشعل موجة تنديد دولية غير مسبوقة.
نهاية مشروع مجنون
في عام 1959، ومع تأسيس وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وتحول التركيز الأمريكي نحو استكشاف سلمي ومدني للفضاء، تم إلغاء المشروع بصمت.
ولاحقًا، أسهم توقيع "معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية" عام 1963، والتي منعت أي تفجيرات نووية في الفضاء، في دفن الفكرة قانونيًا إلى الأبد.
وبقي المشروع طي الكتمان لعقود، إلى أن ظهرت وثائق سرية في تسعينيات القرن العشرين كشفت عن تفاصيله، إلى جانب شهادات من شخصيات علمية، لتعيد فتح ملف خطير من التاريخ النووي الأمريكي.