«بازوكا الكبرى».. سلاح أوروبا «النووي» في حربها التجارية ضد أمريكا

مع زيادة ضغوط أعضاء كبار بالاتحاد الأوروبي على بروكسل لتبني موقف حازم ضد الضغوط التجاية الأمريكية، يبرز الحديث عن أقوى الأسلحة التجارية، وهي "أداة مكافحة الإكراه" الملقبة بـ"بازوكا"، لتكون بمثابة رادع يُفعّل بعد استنفاد السبل الدبلوماسية.
وصِفت أداة مكافحة الإكراه (Anti-Coercion Instrument (ACI) بأنها "البازوكا الكبرى" للاتحاد الأوروبي وهي بمثابة خيار نووي تجاري يمكن اللجوء إليه في حال تصاعدت حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
تسمح هذه الأداة للاتحاد الأوروبي باستهداف شركات التكنولوجيا والبنوك الأمريكية من خلال منعها من دخول الأسواق، وتعليق حقوق الملكية الفكرية، وحظر تقديم الخدمات الرقمية.
سلاح لحماية التجارة
وذكر تقرير نشره موقع الإذاعة والتليفزيون الإيرلندية "أر تي أي" أنه في عام 2023، توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن ACI لتتيح له اتخاذ تدابير مضادة ضد أي دولة غير عضو بالاتحاد، من خلال مجموعة واسعة من القيود المتعلقة بالتجارة والاستثمار والتمويل.
وتُعد الأداة وسيلة للتحرك في الحالات التي تحاول فيها دولة ما التأثير على سياسات الاتحاد أو دولة عضو، من خلال فرض أو التهديد بفرض تدابير تمسّ التجارة أو الاستثمار.
ونقل التقرير الذي نشر في وقت سابق عن بيرند لانغه، رئيس لجنة التجارة الدولية في البرلمان الأوروبي، قوله، عند إبرام الاتفاق: "أحيانًا من الضروري وضع السلاح على الطاولة، حتى وإن لم ننوِ استخدامه يوميًا".
ويؤكد الاتحاد الأوروبي أن الهدف من هذه الأداة هو الردع، وأن تُستخدم فقط كملاذ أخير إذا فشلت المفاوضات في حل النزاع.
وجاءت الحاجة إليها نتيجة لمخاوف من الرسوم الجمركية خلال ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى، إلى جانب القيود التجارية التي فرضتها الصين على ليتوانيا بعد إعلانها عن تعزيز علاقاتها مع تايوان في يونيو/حزيران 2021.
وقالت المفوضية الأوروبية حينها: "إن أداة مكافحة الإكراه ستكون الأداة الجديدة للاتحاد الأوروبي لمحاربة التهديدات الاقتصادية والقيود التجارية غير العادلة من الدول غير الأعضاء". وأضافت: "تلجأ بعض الدول إلى الابتزاز أو القيود التجارية لإعطاء شركاتها ميزة غير عادلة، ما يؤدي إلى صراعات تجارية مع الاتحاد الأوروبي".
المثال الليتواني
وأفادت شركات ليتوانية بأنها واجهت صعوبات في تجديد أو إبرام عقود مع شركات صينية، كما عانت من تأخير في الإفراج عن الشحنات، ومشكلات في الإجراءات الجمركية.
ورأت أوروبا أنها بحاجة إلى أداة للرد على الدول التي تستخدم التجارة كوسيلة لإجبارها على تغيير سياساتها.
ونقل التقرير عن دان أوبراين، كبير الاقتصاديين في معهد الشؤون الدولية والأوروبية (IIEA): "كل هذا يعود إلى أواخر العقد الماضي عندما أصبحت الصين أكثر عدوانية بعدة طرق. وكان على أوروبا أن تمتلك أداة منسقة وواضحة تَظهر للدول الأخرى وتسمح بالتكاتف وعدم استفراد أي دولة عضو بالضغوط".
وأشار أوبراين إلى أن الولايات المتحدة كانت تمتلك أداة مماثلة منذ سبعينيات القرن الماضي، ضمن سياستها التجارية، تستخدم لمواجهة الدول التي تضر بمصالحها الاقتصادية.
كيف يمكن تفعيل ACI؟
ويمكن للاتحاد الأوروبي استخدام ACI لاستهداف شركات التكنولوجيا والبنوك الأمريكية، مثل:
- حظر بيع الإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي
- تعليق الاشتراكات المدفوعة
- فرض قيود على دخول الأسواق الأوروبية
- تقييد إيرادات خدمات البث
- منع الشركات من فرض رسوم على خدمات التخزين السحابي وتحديثات أنظمة التشغيل
- منع البنوك الأمريكية من العمل داخل أوروبا
- حظر الشركات الأمريكية من المنافسة على العقود الحكومية
ونظريًا، يمكن للاتحاد الأوروبي بموجب الأداة إلغاء براءات الاختراع الأمريكية وتقييد حقوق الملكية الفكرية، رغم أن دان أوبراين يرى أن كيفية تنفيذ ذلك غير واضحة عمليًا.
وقال أوبراين: "إذا نظرنا مثلًا إلى الملكية الفكرية المحتفظ بها في إيرلندا من قبل شركات الأدوية أو التكنولوجيا الأمريكية، فكيف سيتم تطبيق ذلك؟ لا أحد يعلم على وجه اليقين، ولا يوجد سابقة لذلك".
ويضيف أوبراين: "أعتقد أن هذا الغموض جزء من كونها تُعتبر خيارًا نوويًا. لا تريد استخدام سلاحك النووي، لكنك تريد إبقاء الطرف الآخر في حالة عدم يقين حيال مدى السوء الذي قد يلحق به إذا هددك".
ويرى أوبراين أيضًا أن العديد من الإجراءات التي تغطيها ACI يمكن للاتحاد الأوروبي اتخاذها بشكل فردي أصلًا، مثل تقييد الوصول للأسواق أو التحكم في الصادرات أو استبعاد الشركات من المناقصات العامة.
لكنه أشار إلى أن "الأداة تجمع كل هذه التدابير في إطار موحّد يمكن للدول الأخرى الاطلاع عليه ورؤية ما يمكن أن تواجهه".
ضغوط لاستخدام السلاح
وفي أبريل/نيسان الماضي، كشفت تقارير إعلامية أن فرنسا وألمانيا ضغطتا لتفعيل ACI ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية.
كما أشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى الأداة بشكل واضح في مقابلة سابقة مع صحيفة فايننشال تايمز. كما أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تتعرض لضغوط من الدول الأعضاء لاستخدام "البازوكا الكبرى" لضرب صادرات الخدمات الأمريكية.
ويستلزم تفعيل أداة مكافحة الإكراه أغلبية مؤهلة: 55% من الدول الأعضاء تمثل على الأقل 65% من سكان الاتحاد. وفي حال انضمت إيطاليا لمعسكر "نعم"، فإن ذلك سيُعزز هذا الاتجاه بقوة.
أما إيرلندا، نظرًا لأهمية قطاع التكنولوجيا لديها، فستكون بالتأكيد في معسكر "لا". وقد وصف نائب رئيس الوزراء الإيرلندي في وقت سابق استخدام الأداة بأنه "تصعيد استثنائي".
وأضاف خلال اجتماع سابق لوزراء تجارة الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ:"إذا وصلنا إلى تلك المرحلة، فسيكون ذلك تصعيدًا غير عادي في وقت نحتاج فيه إلى خفض التصعيد. وأضاف: إنه بمثابة السلاح النووي — وما نحتاجه هو اتخاذ خطوات مدروسة واستراتيجية في الرد".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjAxIA== جزيرة ام اند امز