ولا أدري، ونحن نعيش في عصر مبادئ الديمقراطية والعدل والمساواة كما يدعون، لماذا ترغب الدول في بسط نفوذها خارج حدودها.
كيف سيكون العام 2017 الذي احتفلت بقدومه البشرية أمس باحتفالات تكفي لسد جوع مدينة بأكملها، وإيجاد مأوى لآلاف النازحين واللاجئين المقهورين؟ الأمر يتجاوز الشعور بالإحباط والتشاؤم، لكن العام الجديد سيحمل على كاهليه ثقل أزمات سلفه 2016، محلياً على صعيد كل دولة على حدة، وإقليمياً على صعيد المناطق، وعالمياً أيضاً، الأزمات في كل مكان، وشعار محاربة الإرهاب يتشدق به الجميع بينما العالم بأسره هو الذي خلق الإرهاب، البعض لتحقيق مصالحه الشخصية الخاصة، والبعض لبسط نفوذ دولته، والبعض الآخر ليكون لاعباً رئيسياً في السياسة الإقليمية أو العالمية.
ولا أدري، ونحن نعيش في عصر مبادئ الديمقراطية والعدل والمساواة كما يدعون، لماذا ترغب الدول في بسط نفوذها خارج حدودها، ولماذا تريد أن تكون لاعباً في السياسات الدولية وهي لم تؤمن قوت شعبها وأمنه واستقراره! ولم تسهم في إعادة الحقوق الشرعية لأصحابها، وأعني الفلسطينيين الذين مضى على خروجهم من ديارهم أكثر من سبعة وستين عاماً، دون أن يتمكن مجلس الأمن الدولي ولا الأمم المتحدة ولا القوى الكبرى من تنفيذ قرار واحد من القرارات الأممية. وإن كان مجلس الأمن تسيطر عليه القوى الاستعمارية التي لا تختلف سياساتها عن سياسات «إسرائيل»، فإن المنظمات الإقليمية والقومية مثل جامعة الدول العربية، التي تم إنشاؤها في العام 1945، أي قبل تأسيس دولة الكيان الصهيوني في العام 1948، لم تستطع التصدي للمشروع الاستعماري الأممي بإنشاء دولة غريبة في فلسطين، وحرمان الشعب من وطنه، كما أنها لم تستطع التعامل مع قضية اللاجئين الذين طردتهم العصابات الصهيونية وارتكبت بحقهم مذابح لا حصر لها، فأبقتهم منبوذين مشبوهين كيفما تحركوا، ولم تتمكن هذه الجامعة حتى الآن من إيجاد حل وإنشاء دولة للفلسطينيين على الأراضي التي احتلت في العام 1967، وهو أضعف الإيمان. ألا يدعو هذا للقلق والتعجّب والاستنكار وتوجيه الاتهام؟ وهذا يشمل القادة الفلسطينيين أنفسهم الذين ينقسمون على أنفسهم جرياً وراء السلطة والمنافع.
كيف سيكون العام 2017 وهو يبدأ بأزمة دبلوماسية خطيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، حين تقوم واشنطن بطرد 35 دبلوماسياً روسياً، وكأن الرئيس باراك أوباما يريد أن يترك لخليفته المزيد من الأزمات الكبيرة التي تنذر بصدام بين الدولتين العظميين، أزمات تضاف إلى الأزمات التي خلقها في الشرق الأوسط، وتحديداً في الوطن العربي، بدأها بمبدأ نشر الديمقراطية وانتهت بنشر المتطرفين في البلدان العربية، وزاد من الاحتقان المذهبي، وأدى كل ذلك إلى ملايين النازحين وتدمير عشرات المدن والقرى على رؤوس أصحابها، وأنهك اقتصادها، ونشر الفوضى في ربوعها حتى تحولت إلى دول فاشلة، تستجدي منظمات الإغاثة الدولية لتتصدق على الشعوب، وترك ملايين الأيتام والأرامل والمعاقين في العراق وسوريا وليبيا وفلسطين والسودان، ولا يزال يفتعل كل يوم وسيلة لاستدامة الفوضى، التي أرادها سلفه فوضى تنشر الخراب والدمار والدم والدخان.
كيف سيكون العام 2017 والدول العربية لم تحقق أدنى متطلبات التضامن والتنسيق، بل استجابت للسياسات العالمية الرامية إلى تقسيمها وتفتيتها إلى دويلات صغيرة يسهل السيطرة عليها، وهو مشروع صهيوني بامتياز، يضمن وجود «إسرائيل» آمنة مطمئنة لعشرات السنين، بل إن طبيعة الأزمات والصراعات في المنطقة شجعت «إسرائيل» على طرح نفسها حليفاً يعرض خدماته في حل الأزمة السورية، ناهيك عن استضافتها جرحى المسلحين الذين يقاتلون في سوريا، في انتهازية واضحة لا يقوم بها سوى الذئاب والثعالب حين تظهر نفسها صديقة للإنسان. وربما، إن أكبر انتصار حققته «إسرائيل» خلال السنوات الخمس الأخيرة هي أنها تحولت من عدو إلى صديق، وأحياناً إلى حليف إستراتيجي لبعض القوى.
كيف سيكون العام 2017 والمنطقة تعيش فوق بركان مذهبي خطر، بل هو الأخطر في تاريخ الأمة الإسلامية، ويهدد بصراع دموي لا يبقي ولا يذر، فزمن الحرب بالسيف ولى إلى غير رجعة، وزمن القتال بفارس مقابل فارس انتهى، اليوم، يمتلك الطرفان أسلحة تحرق الأخضر قبل اليابس، وكفيلة بأن تحول المنطقة إلى جهنم خلال ساعات، هذا إذا لم يستخدم الأطراف الأسلحة النووية والكيماوية لسحق (الكفار) من كلا المعسكرين، ناهيك عن الأزمات البشرية والاقتصادية والجوع والعطش والمرض التي ستنتشر سريعاً كالنار في الهشيم، خاصة أن المنطقة تعوم على بحيرات من النفط الذي يسهل إشعاله ويصعب إطفاؤه، ولا أحد يمكنه التحكم بآثاره الجانبية، وأقلها التلوث والأمطار الحمضية. ترى، هل يعرف اللاعبون بأي فكرٍ يلعبون لتجييش الناس وحقنهم بالمذهبية والتطرف والحقد الديني لتمرير خطط سياسية واقتصادية استراتيجية؟
كيف سيكون العام 2017 وأصحاب القرار في العالم يدفنون رؤوسهم كالنعام في مواجهة الأزمات، ولا يحركون ساكناً لحلها، يقفون عاجزين حيالها، ويلجأون إلى طرق سطحية ساذجة لمعالجتها، وهي لا تزيد على كونها مسكنات، الأمر الذي يعكس عجزاً مستداماً يتم تأجيله إلى زمن قادم.
يبدو أن أزمات العالم أكبر من قدرات قادته على حلها، وأكثر تعقيداً من الشعارات التي يطرحونها في المحافل الدولية، أو أن مهمتهم الإبقاء على تلك الأزمات، وبهذا يقودوننا إلى مقولة أن (الشيطان يحكم العالم).
لسنا متشائمين ولا متطيرين، إنما الواقع الذي أمامنا يحتاج إلى قادة يسكنهم أنبياء وحكماء وقديسون للتعامل معه، وإنقاذ البشرية من التدمير، وتجنيبها المزيد من الأزمات. ورغم ذلك، نبقى متمسكين بالأمل ورحمة الله.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة