بيتر هاندكه حائز نوبل يتأمل معنى اليوم الناجح
تواصل الاهتمام باستكشاف أفكار الكاتب النمساوي الحائز على نوبل بيتر هاندكه كما ظهر أخيرا في كتابيه "عن يوم ناجح" و"عن التعب"
تواصلا مع تفاعل حركة النشر العربي مع بزوغ نجم الكاتب النمساوي بيتر هاندكه عقب فوزه بجائزة نوبل نهاية العام الماضي، التفتت دار "صفصافة" للنشر في مصر إلى تقديم لون مُغاير عن الأعمال الروائية والمسرحية لهاندكه، عبر الاقتراب وتقديم فلسفة بيتر هاندكه في أمور تخص الحياة، منها فلسفته عن "اليوم الناجح" و"التعب" ضمن عناوين أخرى تعتزم الدار إطلاقها خلال الفترة المقبلة.
يحمل الكتابان لون المقالات الأدبية المُطولة التي كتبها هاندكه، ومنها يتأمل هاندكه في الكتابين المنفصلين اللذين أصدرتهما دار النشر المصرية، "عن التعب" و"عن اليوم الناجح" من خلال رؤية مُتسعة تتقاطع مع محطات من سيرته الذاتية منذ الطفولة، مرورًا بنظرته إلى الفن والشعر والموسيقى.
في كتاب "عن يوم ناجح" من ترجمة زهراء باحكيم، يطرح هاندكه على قارئه السؤال قبل أن يبحر في تأملاته الخاصة: "من شهد من قبل يومًا ناجحًا؟ الأغلبية ستقول إنها مرت بمثل ذلك اليوم، ولهذا من الضروري أن نسأل سؤالا آخر: هل نقصد ناجحا أم جميلا فقط؟"، إذن فحسب هاندكه تجوز التفرقة بين اليوم الجميل واليوم الناجح، واليوم الخالي من الهموم، ويوم الحظ، واليوم المفعم بالمثالية.
ينتقل هاندكه، مواليد 1942، من التساؤل إلى ذاته "اليوم الناجح بالنسبة لي، ليس كالأيام الأخرى كلها، فهو يعني بالنسبة لي أكثر. اليوم الناجح أكثر من هذا بكثير. فهو أكثر من مجرد ملحوظة ناجحة وأكثر من مجرد خطوة شطرنج ناجحة، أكثر من التسلق الأول في الشتاء، وهو شيء مختلف عن هروب ناجح، أو عملية جراحية ناجحة، أو علاقة ناجحة، أيا كان الشيء الناجح، وهو مستقل تمامًا عن جرة ريشة ناجحة على إحدى اللوحات، أو جملة ناجحة، ولا علاقة له نهائيا بالانتظار الذي يستمر مدى الحياة لقصيدة قد تنجح في ساعة! اليوم الناجح لا يمكن مقارنته بأي شيء، فهو شيء فريد من نوعه".
ولعل الحديث عن الجمال والنجاح لا يخلو دائمًا من "التعب" الذي يتأمله طويلًا في كتابه "عن التعب" الذي أنجزت ترجمته الدكتورة رضوى إمام، بالنسبة لهاندكه فالتعب سياق ممتد، بدأ لمسه من عمر الطفولة، مرورا بالمراهقة فالشباب فمحطات العمر، يتحدث عن ذكرياته مع تعب الطفولة الذي صاحبه شعور بالذنب، وتعب في فترة المراهقة التي تخللها التمرد والغضب.
يتذكر هاندكه مواقف متفرقة من طفولته، يتذكر لحظات شعوره بالتعب مرة أثناء قداس منتصف الليل بكنيسة مكدسة بالزوار، واستغاثته للخروج من الكنيسة، ليحرم أهله مواصلة الشعائر ولقاء الجيران، وهو الموقف الذي ترسب في ذاكرته بالشعور بالذنب وقتها، يتذكر تكدس قاعات المحاضرات في شبابه، والتهوية السيئة بها، وكيف كان ذلك يشعره بتعب يدفعه للغضب والتمرد، يتذكر كيف كان أساتذته يفتقرون وقتها إلى المودة والحماس، ما كان يزيد من تعبه.
يمر هاندكه من التعب الجسماني إلى تعب الأرق وتعب السهاد وتعب السفر وتعب الفرد وتعب الشعوب، وبعد سرده الطويل لأشكال التعب، يتساءل موجها الحديث لنفسه بحس من المرارة الساخرة "لا شك أنك قمت ببعض الإشكالية بوضوح، حتى وإن كان أسلوبك يتخلله قدرٌ من التلعثم والغموض. ولكن ما الذي يستحضر تلك الأنواع من التعب؟ عدم النوم؟ السفر أو السير عبر مسافات طويلة؟ الأعمال الشاقة؟ هل لديك وصفة لليوتوبيا؟ حبوب منشطة لسائر بني البشر؟ أو بودرة، تذوب في المياه التي يشربها هؤلاء الذين يعيشون في عالم اللاتعب؟".
ورافق فوز هاندكه بجائزة نوبل العام الماضي عاصفة من الجدل، بسبب إنكاره لمذابح الصرب خلال حرب يوغسلافيا في تسعينيات القرن العشرين، الأمر الذي قوبل باتهامات له بعدم الأخلاقية غير المبررة، دعم تلك الاتهامات أنه كان مُقربا من الزعيم الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش.