لم يكن تصريح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن رغبة بلاده في رفع طاقتها الإنتاجية من النفط الخام إلى 13 مليون برميل يوميًّا، بالأمر الجديد.
فهذا الإعلان أعلنته شركة "أرامكو السعودية" رسميًّا في عام 2020 مع إطلاقها برنامج رفع طاقة الشركة الإنتاجية إلى هذا المستوى بحلول عام 2027.
ومع هذا تعامل الكثيرون مع هذا الرقم على أنه أمر جديد أو على أنه ردة فعل سعودية لطلبات البيت الأبيض برفع إنتاج المملكة، وهنا كان بعض من سوء فهم التصريح.
في الحقيقة، الرقم ليس بجديد، ولكن الجديد هو قول ولي العهد إن السعودية ليست لديها طاقة إنتاجية إضافية بعد 13 مليون برميل يوميًّا، وهو ما معناه أن العالم يجب ألا يتوقع أن تضيف المملكة برميلا فوق هذا المستوى.
ما يهمنا الآن ويهم أسواق النفط وكل المشرّعين في الولايات المتحدة وكبار المسؤولين في الحكومات الغربية وكبار الدول المستهلكة، مثل الصين والهند، هو معرفة ما إذا كانت السعودية ستستمر في دورها في تزويد العالم بالنفط لسنوات قادمة بجميع الكميات التي تحتاج إليها السوق.
فكيف لنا إذًا أن نفهم تصريح ولي العهد؟
إذا نظرنا لتصريح الأمير محمد بن سلمان من ناحية إيجابية، فهناك مليون برميل إضافية لشركة "أرامكو السعودية" التي تبلغ طاقتها الإنتاجية اليوم 12 مليون برميل يوميًّا لا تستغل الشركة أكثر من 10 ملايين برميل يوميًّا منها في أفضل الظروف، مع الإبقاء على نحو مليوني برميل يوميًّا كطاقة فائضة تُستخدم عند الضرورة مثل حصول انقطاع كبير في السوق من إحدى الدول المنتجة.
هذه الطاقة الفائضة هي سر قوة المملكة النفطية، وليست العشرة ملايين برميل يوميًّا التي تنتجها، حيث إنها أقل في الإنتاج من الولايات المتحدة وروسيا.
ولكن هذه الدول تنتج بالحد الأقصى وليس لديها فائض فوق ما تنتجه، بينما السعودية لديها القدرة على الزيادة.
ولهذا فإن زيادة الطاقة الإنتاجية معناه أن الطاقة الفائضة ستظل في مستويات عالية حتى مع نمو الطلب، ولو افترضنا أن السعودية ستُنتج في المتوسط 11 مليون برميل يوميًّا في السنوات القادمة فإن الطاقة الفائضة ستظل في مستوى مليونَيْ برميل يوميًّا.
وهذا هو سر استقرار السوق، إذ لا تزال هناك دولة تستطيع مواجهة الأزمات العالمية بموثوقية، وهذا استمرار لدور المملكة كمنتج موثوق.
لكن السوق لم تكن تريد الاستماع لهذا الأمر، بل كان هناك حرص على أن تقول المملكة إنها ستستطيع زيادة إنتاجها فوق 13 مليون برميل يوميًّا متى احتاج العالم إلى ذلك.
وكنوع من السلوك الأناني، يريد كثير من هؤلاء أن تفكر المملكة في آمن المعروض النفطي، ولكن ما ضمانات العالم للمملكة بوجود طلب فوق 13 مليون برميل يوميًّا؟!
للأسف لا توجد ضمانات، خصوصًا أن الكثير من الدول الغربية لديها سياسات عدائية تجاه النفط والوقود الأحفوري بشكل عام وتجاه منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" بوصفها منظمة تسعى وراء أسعار نفط عالية لصالح دولها الأعضاء.
هذه العدائية خاطئة ولا مبرر لها إلا أحقاد قديمة وصور نمطية لما كانت عليه "أوبك" في السبعينيات من القرن الماضي عندما استخدمت الدول العربية في المنظمة سلاح المقاطعة وحظرت بيع النفط للغرب تضامنا مع مصر في حرب 1973.
إن التصور بأن السعودية لا تستطيع رفع إنتاجها تصور غير صحيح، لسببين:
الأول هو أن تحولها للغاز والطاقة المتجددة سيوفر ما لا يقل عن مليون برميل يوميًّا إضافية من استهلاكها المحلي، ليصبح لديها القدرة على تصديرها لباقي العالم.
أما الأمر الآخر فهو أن التطور التقني لا حدود له، وبسبب تطور تقنيات الحفر أصبحت الولايات المتحدة المنتج الأول في العالم حاليًّا، وهناك احتمال أن تساعد التقنية على ضخ المزيد مستقبلا من حقول المملكة.
وعليه، فإن على العالم التوقف عن التفكير في طاقة السعودية الإنتاجية، والتفكير بصورة أفضل في تحفيز السعودية على ضخ مزيد من خلال اتخاذ سياسات متزنة للتحول نحو الطاقة البديلة.. ما عدا ذلك فإن 13 مليون برميل من النفط لا غير هي السيناريو الأفضل لدول مستهلكة معادية للنفط.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة