الذكاء الاصطناعي يضع موظفي الكول سنتر على خط البطالة.. تسريحات مليونية
في حين لا يزال بقية العالم يناقش ما قد يعنيه الذكاء الاصطناعي للوظائف، فإن المواطنين في الفلبين يعيشون في واقع سطوة الذكاء الاصطناعي.
وكغيرها من الدول الاقتصادية، بجانب ما تعرف به الفلبين كونها عاصمة صناعة خدمات العملاء "الكول سنتر" في العالم، تعيش البلاد حالة من حمى الذكاء الاصطناعي والخوف من نقل العديد من الوظائف للروبوتات.
ووفق ما أفادت وكالة "بلومبرغ"، إن جميع الشركات الرئيسية في مجال صناعة "التعهيد" (شركات الطرف الثالث لخدمة العملاء)، والتي من المتوقع أن تتجاوز إيراداتها 38 مليار دولار هذا العام في الفلبين، يسارعون إلى طرح أدوات الذكاء الاصطناعي للإبقاء قدرتهم على المنافسة والدفاع عن نماذج أعمالهم.
حمى الذكاء الاصطناعي
وعلى مدى الأشهر الثمانية أو التسعة الماضية، قدم معظم هذه الشركات شكلاً من أشكال أنظمة الذكاء الاصطناعي المساعدة، لتعمل هذه الخوارزميات بشكل أساسي جنبًا إلى جنب مع المشغلين البشريين.
وتقوم روبوتات المساعدة الذكية التي دفعتها شركات الكول سنتر في الفلبين بمهام مثل تلخيص جميع الاتصالات السابقة التي أجراها العميل مع الشركة، سواء كان ذلك عبر مكالمة أو بريد إلكتروني لمنع الحاجة إلى محادثة توضيحية مطولة - من الناحية النظرية على الأقل.
وتتطلب مثل هذه العملية ربط تقنية التعرف على الكلام المتقدمة ومعالجة المحتوى وغربلة كميات هائلة من البيانات وتحليل المشاعر وتقديم استجابات سياقية - كل ذلك يتم إنجازه في الوقت الفعلي، الأمر الذي كان من الممكن أن يعتبر مجرد خيال علمي قبل بضع سنوات فقط.
وبالنسبة للبعض، كان الانتشار السريع لمثل هذه الأدوات من أنظمة الذكاء الاصطناعي بمثابة صحوة قاسية وسبب للخوف في الفلبين.
من النماذج التي عايشت ذلك ورصدتها "بلومبيرغ" في تقريرها، موظف فلبيني يدعى "كريستوفر باوتيستا"، 47 عامًا، الذي عمل في صناعة مراكز خدمة العملاء "الكول سنتر" لمدة تقرب من عقدين من الزمان.
مستقبل مذبذب
وفي وظيفته الأخيرة في مكتب دعم فني، شاهد كيف تولى الذكاء الاصطناعي المزيد من المسؤولية في مراقبة مكالمات العملاء وطرح الأسئلة قبل توجيهها إلى وكلاء بشريين.
ثم في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى جانب حوالي 70 شخصًا آخر، كما يقول، تم وضع "كريستوفر" فجأة في ما يسمى "بالحالة الوظيفية العائمة" دون عمل، ودون أجر، ولكن بقي مسجلا في دفاتر موظفي الدولة، بعد أن سحبت شركته عقد العمل الخاص به.
عقب ذلك، استقال "كريستوفر" بعد ستة أشهر للحصول على وظيفة في المبيعات بينما كان لا يزال ينتظر إعادة التعيين في وظيفته السابقة.
وقال كريستوفر باوتيستا في تصريحات نقلتها "بلومبيرغ"، "الذكاء الاصطناعي سيتولى وظائفنا، إنه أرخص وأكثر كفاءة".
رغم ذلك، تظل النماذج المشابهة لمثل قصة باوتيستا محدودة نسبيًا، حيث لا يزال عدد الموظفين في صناعة "الكول سنتر" في الفلبين في ارتفاع.
ولكنها قد لا تستمر لفترة طويلة، حيث تقدر شركة أفاسانت، وهي شركة استشارية في مجال الاستعانة بمصادر خارجية تعمل على نطاق واسع في الفلبين، أن ما يصل إلى 300 ألف وظيفة في مجال الاستعانة بمصادر خارجية لخدمة العملاء، قد تُفقد في البلاد بسبب الذكاء الاصطناعي في السنوات الخمس المقبلة.
وقال أكشاي خانا، الشريك الإداري في أفاسانت، أن تحليلاته تقدر أن الذكاء الاصطناعي قد يخلق أيضًا ما يصل إلى 100 ألف وظيفة في أدوار جديدة مثل خوارزميات التدريب أو تنظيم البيانات، وأفاد خانا بان ذلك "يشكل خطرًا وفرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر بالنسبة للصناعة في الفلبين، الأمر ليس كله كئيبًا".
تهديد للمصدر الأكبر للوظائف بالقطاع الخاص
وتقول "بلومبيرغ"، أنه قطاع خدمة العملاء عبر شركات الطرف الثالث في الفلبين من أهم القطاعات في البلاد، فهو المصدر الأكبر للوظائف في القطاع الخاص في البلاد وأكبر مساهم قطاعي في الناتج المحلي الإجمالي.
واجتماعيا، تعد مراكز "الكول سنتر" مصدرا جيدا للمال للفلبينيين غير الحاصلين على تعليم جامعي، وهو ما لا يتطلب منهم العمل في الخارج.
وكانت الحكومة تعتمد على صناعة "الكول سنتر" لمساعدتها على النهوض بطبقات المجتمع، ودفع أكبر شريحة ممكن من مواطنيها البالغ عددهم 100 مليون إلى الطبقة المتوسطة وبدء إنشاء وظائف أكثر تناسبا، لكن الذكاء الاصطناعي وصل قبل حدوث ذلك.
في الوقت نفسه، كانت تعاني صناعة "الكول سنتر" من خيبات الأمل عند اعتمادها عبر التاريخ على الحلول التكنولوجية، فكانت هناك برامج نصية مزعجة على مواقع الويب لا تقدم للعملاء أكثر مما سبق وتمت اتاحته في صفحة الأسئلة الشائعة على سبيل المثال، وأنظمة القائمة الصوتية التي لا تستطيع التعامل حتى مع أدنى استعلام خارج النص.
لكن الأمور تتغير بسرعة، وفي فبراير/شباط، أعلنت شركة المدفوعات Klarna Bank AB أن روبوتات الذكاء الاصطناعي تجري ثلثي جميع تفاعلات خدمة العملاء، وهو ما يعادل عمل 700 وكيل بدوام كامل، مما أدى إلى انخفاض حاد في أسهم عدد من مشغلي مراكز خدمات العملاء.
وفي مايو/أيار، عرضت شركة OpenAI Inc. برنامج ChatGPT-4o الصوتي الذي يضم ميزات تفاعلية قريبة للبشر مثل التنهد والضحك والذي حل مشكلة ببراعة في مكالمة إلى دعم العملاء حول هاتف iPhone جديد لا يعمل.
وأوضحت "بلومبيرغ"، إنه يجب إدراك أن التهديد الذي يواجه نوع الوظائف الإدارية مثل وكلاء خدمة العملاء والدعم الفني الذي تتخصص فيه الفلبين واضح.
ويقول خبراء مثل كارستن جونج، رئيس قسم الاقتصاد الكلي والذكاء الاصطناعي في معهد أبحاث السياسات العامة ومقره لندن، إن صناع السياسات بحاجة إلى الاستعداد الآن لتجنب ما سيترتب عليه هذا التهديد من تحول مزعج في قطاعات العمل المختلفة بقوله، "يجب أن تتطور أنظمة الضمان الاجتماعي والضرائب للتأكد من تقاسم فوائد الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع".
aXA6IDE4LjIyMy4xNTguMTMyIA== جزيرة ام اند امز