غزة في زمن الحرب..معرض يجمع بين شاعرية الكلمة وقوة الصورة
عدوان 2014 بعيون المصور المصاب محمد البابا ونصوص الشاعرة هند جودة في معرض مميز نجح في تجسيد الواقع الأليم في غزة.
تنظم الشاعرة هند جودة، عضو الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، والصحفي الجريح محمد البابا، معرضا فوتوغرافيا يحتفي بغزة، زمن الحرب وما بعد الحرب.
الأمر المميز في هذا المعرض هو تضافر الكلمة مع الصورة في تجسيد الواقع الأليم في غزة، ففي كل صورة يحتضنها المعرض نص أدبي يتحدث عنها، بلغةٍ شاعرية تجسد انغماس روح الشاعرة وهي تعيش تفاصيل الصورة، لتظهر براعة ملحوظة.
المعرض يحتضنه المركز الفرنسي في مدينة غزة التي شهدت أحداث المعرض وخلدتها كلمات ستجمع يوماً في ديوان شعر، ملحق به صور الألم وأنين صامت تعيشه العين، التي تنعش الذاكرة الفلسطينية.
"هارباً من طرقات المدينة/ حافي الروح في شارع الموج/ وحيداً بلا شمس ولا صخب/ أحصي خطيا على كفّ مالحة"، بهذه الكلمات عبرت الشاعرة هند جودة، عن بحر غزة وهو ينتهك من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، الذي وجه نيران قذائفه من البوارج الحربية المتمركزة في عمق البحر، إلى مدينة غزة، وعماراتها ومنازلها وشوارعها الفارغة، في عدوان 2014 م.
تقول جودة لـ"العين الإخبارية": "الكتابة عن صورة مؤلمة نزيف يصيب الروح، كيف إذا كانت الصورة معاشة واقعاً من قبل الشاعر؟ بلا شك سيكون الألم أكثر أثراً وتأثيراً، ولا اعتقد أن اللغة مهما كانت كثيفة ستعبر عن هذا الوجع العميق، خلايا الألوان السابحة في مشاهد الصور، أشد تعبيراً من الكلمات بالنسبة للعين على الأقل، ولكن الكلمات جاءت لتحترم العقل إذا ما أحب الإبداع، خاصة أننا نتعامل مع مصور مبدع مثل: محمد البابا مصور الوكالة الفرنسية، الذي أصيب مؤخراً بطلق ناري في ساقه أثناء تغطيته أحداث مسيرة العودة، وهذا يؤكد أن الاحتلال الاسرائيلي يتعمد مسح الدليل وإلغاء البرهان عن جرائمه، بتعمده القضاء على الشهود الأحياء على ما يرتكبه من مخالفات فاضحة ضد الفلسطينيين العزل".
بينما تترك البحر تتجه إلى الدمار المولود بصواريخ الاحتلال، والشاهد هنا عمارة سكنية مكونة من عدة طبقات، شققها جميعها أصبحت دون جدران، واقفة أمام الشارع عارية من السكان وكسوتها والخراب دخل حتى زواياها البعيدة، تقول الشاعرة جودة: "ما كان في عدوان 2014 غير متوقعٍ، وكثافة الدمار والخراب واشتداد الرعب؛ فاقت العقل ولم تعطه فسحة التوازن، حتى مرت كل هذه السنين، لينسى الشاهد الحي، ويبدأ في الكتابة وجمع الصور عن هذا الحدث الكارثي، واليوم وبعد سنتين مضت فكرنا بتنظيم معرض يحاكي الوجع الساكن في نفوسنا، وشلتنا الصدمة عن الكتابة عنه وقتها، وكانت فكرة معرض (صورة ونص)، ليجد النور بعد سنتين من الإعداد والترتيب.
وتلفت جودة إلى أن موعد إطلاق المعرض تزامن مع إصابة الزميل البابا الذي لا يزال يتعافى من إصابته وساقه مشدودة بالبلاتين والجبس، إلا أنه أصر على أن يطلق المعرض في موعده المتفق عليه، ليكون نوعاً من أنواع التحدي، والتمسك بالحياة وتعبيراً عن إرادة الفلسطيني الصلب، الذي لا يتنازل عن حقوقه المشروعة ولو كسرت أضلاعه، وفي هذا المعرض، مصاب ينقل صورة شهداء أبرياء ومصابين في مدرسة هربوا من الموت، وشوارع غسلت بالقنابل والفسفور الأبيض، ونساء لم يثقل كاهلهن اليأس فخرجوا إلى الطرقات نحو الملاجئ لإنقاذ أرواحهن من الهلاك، وغيرها من مشاهد خلدتها الصور، وعبرت عنها الكلمات".
من جهته، يقول المصور المصاب محمد البابا لـ "العين الإخبارية" والذي لم يجد حيلة، سوى أن يترك منزله وسرير الشفاء، ملزماً نفسه الحضور إلى المعرض لافتتاحه ومشاركة الزوار هذه المناسبة:" لم أهمل المعرض حتى مع اشتداد الألم بعد إصابتي؛ لأن رغبتي العميقة في أن يرى المعرض النور، كانت الحافز الأكبر لي، وفعلاً نجحنا في تنظيمه ولو أنني جالس على كرسي، واتحرك بعكازين، إلا أنني حققت هدفا آخر في حياتي، وهذا سيمنحني قوة للتغلب على إصابتي والخروج منها بسرعة والعودة إلى كاميرتي وعدساتي، والركض خلف الصورة..أقصد الحقيقة التي تخزنها الصورة للذاكرة، وما من أمنياتي سوى أن أرى شعبي يعيش بسلام وبدون حروب وبدون خراب ودمار".
يقول إيهاب أبومعمر، مدير مكتبة المركز الفرنسي والذي ألقى كلمة افتتاح المعرض: "فكرة الجمع بين الصورة والكلمة، إبداع مارسه البعض في الدول المتقدمة، ولكنه كان في كتب لها دفتين مغلقتين، وهنا الجدران فتحت للصورة مسالك التعبير، وأصبح لها لسان يحدث كل من يزور المعرض، وهي فكرة مبدعة تلقيناها في المركز الفرنسي بغزة بحماس وعملنا على تنفيذ المعرض بالشكل اللائق، والذي نال إعجاب الزوار في أول أيامه".