في ملامح التجديد القادمة، يبقى هناك جزء كبير من حيز القدرة على التغيير متعلقاً بالبرامج والخطط الحكومية، وبمدى مرونتها وتعاطيها مع متطلبات التبديل والتطوير.
سيما أن ذلك يشكل ثقلاً عصي الهضم على بعض الأنظمة التي تعتبر التشبث بالخطط التقليدية إحدى ركائز نجاحها.
وفي لفتة إلى أحدث تقارير مؤشر الأمن الصحي العالمي الصادرة إبان أزمة "كوفيد-19" الصحية العالمية، لم تكن معظم دول العالم مستعدة لمواجهة تحديات وتداعيات هذه الجائحة بشكل تام، إذ حازت دول معدلا أقل من نصف المطلوب.
والدافع لصب مسؤولية كبيرة على نظام الإدارة، وبخاصة الإدارة السياسية، ومناصب القرار، يرجع لاعتبارها مفتاحاً يسهِّل على كافة القطاعات الأخرى الانطلاق في حلة جديدة، والجرأة على اتخاذ قرارات محورية، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه دون تنمية القدرات الوطنية الأساسية، والانطلاق من قاعدة جديدة، بخطط شاملةً التحديثَ لأساليب وأدوات العمل الحكومي ككل.
ولا مجال للتراجع عن تلك الخطوة أو استثنائها من بين أولويات الحكومات القادمة في النظام العالمي الجديد، بل إن هناك إثباتات تحفّز على نجاح المراهنات القادمة، بدليل التجربة الشاقة والصعبة لكوريا الجنوبية خلال مواجهتها العديد من الأوبئة، مثل تفشي فيروس "سارس" وإنفلونزا الخنازير، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس"، والتي انعكست على مستقبلها وأكسبتها تفوقاً على مستوى العالم، من حيث توافر الإمكانات الصحية، والاستثمار في التطور التكنولوجي.. مما وفّر عليها جهداً ووقتاً ليسا بالقليلين مع بداية انطلاق جائحة كورونا.
ففي حين كانت بعض الدول تعاني ضعف الكوادر الطبية، ونقص المعدات، نجحت كوريا الجنوبية في إجراء تحاليل الكشف عن الفيروس في مدة لا تتجاوز خمس دقائق، وبدأت تقديم الخدمات، واستكمال الأعمال عن بعد بكفاءة عالية ودون أي ارتباك، الأمر الذي انعكس على سرعة اجتياز الأزمة، وتقليل أثر الخسائر، رغم أنها دولة ذات كثافة سكانية مرتفعة.
إن الخطى القادمة للحكومات على مستوى العالم لن يكون لها بالغ الأثر في تشييد نموذج من الاكتفاء المناعي للدول في وجه الأزمات وحسب، بل وستسهم بشكل رئيسي في إعادة توزيع القوى العالمية، والتي من شأنها تغيير ملامح القطبيات، المرتكزة على نجاعة التغييرات الهيكلية، وقياس مدى مرونتها وسرعة مواكبتها وسبقها الأدائي، واستمرارية تقييمها وتقويمها، بالتزامن مع الدفع بالذراع الاقتصادي، وفتح كافة النوافذ لاستقطاب الفرص الجديدة، مما يعني نقاطاً نابضة جديدة ذات جذب عال على خريطة العالم، تتولد من المنافسة الحادة والحاسمة بين القوى العظمى العالمية.
لقد أدارت كافة التحولات دفة القيادة العالمية، دون استثناء أي من مجالات عملها ونهضتها، ووجهت تركيزها على الإبداع والابتكار، مستغنيةً عن الأنظمة القديمة، والأدوات البالية، والطرق الصعبة والمعقدة، مما انتقل بها بطريقة سلسة ومنطقية لإلزامية بناء قبة عالمية ضخمة، تتولى حلقات الشراكات والتعاونات فيما بينها مهمة الحفاظ على تماسكها واتحادها في ظل عالم مترامي الأطراف لم يعد يكترث بالمسافات وافتراق الحدود الجغرافية، ما دفع ديفيد بيلين، الرئيس العالمي للاستثمارات ومسؤول شؤون الاستثمار في Citi، للقول: "الأمور تتحرك بسرعة أكبر وأكبر بينما ننتقل إلى عالم ما بعد جائحة كوفيد-19، فمن الدورات الجديدة إلى الاقتصاد، تنتقل البيانات بسرعة أكبر ودورات صنع القرار تتقلص.. وكل هذه السرعة تزداد وتتقلص بفعل عوامل المرونة والنجاحات والإبداع وحالات الإخفاق التي مر بها العالم في مواجهة كوفيد-19".
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة