ستتجه الأنظار في أول نوفمبر المقبل نحو مدينة غلاسكو الاسكتلندية، التي ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في دورته رقم 26.
يأتي الحدث وسط آمال عريضة بأن يتمكن زعماء وقادة العالم المجتمعين في هذا المؤتمر من الخروج بنتائج ترسم مساراً مختلفاً للبشرية بعيداً عن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية الكارثية، التي يشهدها عالم اليوم، ومخاوف من أن تكون هذه القمة كسابقاتها من القمم، التي لم تؤد عملياً إلى حدوث أي تغيير إيجابي يوقف هذا المسار الكارثي لظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تهدد البشرية بمستقبل لا يمكن التنبؤ به.
لقد لخّص الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته التي وجهها إلى نحو 50 وزيرا شاركوا في اجتماع تمهيدي لمؤتمر الأطراف في ميلانو مطلع شهر أكتوبر الحالي، الخيار المتاح أمام القادة والمسؤولين، الذي سيحضرون قمة غلاسكو، بعبارة: "يمكننا إنقاذ العالم أو الحكم على البشرية بمستقبل الجحيم".
فهذا المؤتمر الأممي إما أن يكون بداية مسار جاد لإنقاذ البشرية أو إبقاءها في مسارها الحالي الكارثي، والذي بدأنا نشهد بعض جوانب تأثيراته بوضوح في العديد من الظواهر أو الكوارث البيئية، التي شهدها العالم مؤخراً، مثل حرائق الغابات، التي غطت غالبية مناطق العالم وموجات الحرّ والجفاف، التي تسببت في أزمات غذائية في العديد من البلدان، كذلك موجات التسونامي والفيضانات، التي ضربت بلدانا أخرى، ناهيك بالذوبان المتسارع للثلوج المغطية للمحيطات القطبية المتجمدة وما تنذر به من ارتفاع لمنسوب المياه في البحار والمحيطات واختفاء مناطق ودول جُزُرية في المستقبل.
لقد أفاضت كثير من التقارير الدولية المهمة في الحديث عن جوانب الأزمة المناخية العالمية والتداعيات السلبية لظاهرة الاحتباس الحراري، وآخرها التقرير الصادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، والتي تضم 195 دولة عضوا، والصادر في 9 أغسطس الماضي، إذ توقع التقرير أن يصل الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2030، أي قبل عشر سنوات من آخر التقديرات، التي وُضعت قبل ثلاث سنوات.
وأوضح التقرير، الذي كتبه 234 خبيرا من 66 دولة، أن تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي كانت أعلى في عام 2019 مما كانت عليه في أي مرحلة خلال مليوني عام على الأقل، كما أن درجة حرارة سطح الأرض ارتفعت منذ عام 1970 بشكل أسرع مقارنة بأي 50 عاما أخرى خلال الألفي عاما الماضية على الأقل.
هناك تحديات غير قليلة تواجه مؤتمر المناخ المقبل، فقد كان من المفترض أن يُعقد العام الماضي، لكنه تأجّل بسب تأثيرات جائحة كوفيد-19، كما أنه يأتي في ظل بيئة دولية لا تزال تعاني التبعات الاقتصادية والإنسانية لجائحة كورونا، والتي تجعل الدول حريصة على استعادة النمو الاقتصادي وتحقيق التعافي، ولو على حساب البيئة والمناخ.
كما أن التباينات الدولية لا تزال قائمة، وتبادل الاتهامات بين القوى الكبرى بالمسؤولية عن التلوث والاحتباس الحراري، إضافة إلى التحدي المتمثل في ضرورة ربط النتائج والتوصيات، التي تصدر عن مثل هذه المؤتمرات، بخطط محددة زمنياً وبآليات واضحة لتحقيق هذه التوصيات.
وسط كل ذلك، هناك كثير من الأمور المشجعة على التفاؤل، من بينها وجود إدارة أمريكية جديدة تضع قضايا المناخ ضمن قائمة أولوياتها الرئيسية، والمبادرات النوعية والمهمة، التي تبنّتها دول أخرى للتعامل مع ظاهرة الاحتباس الحراري، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أعلنت من جناحها في "إكسبو دبي" قبل أسابيع قليلة مبادرتها الاستراتيجية لتحقيق "الحياد المناخي" بحلول 2050، وإعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، "رعاه الله"، أن دولة الإمارات ستستثمر أكثر من 600 مليار درهم في الطاقة النظيفة والمتجددة حتى 2050، لتعزز دورها العالمي في مكافحة التغير المناخي.
وهناك أيضاً المبادرة، التي أعلنتها المملكة العربية السعودية، عن سعيها للوصول إلى الحياد المناخي الصفري بحلول عام 2060.
مثل هذه المبادرات تصلح أن تكون نماذج تحتذى عالميا في التعامل مع خطر ظاهرة الاحتباس الحراري، ويجب أن تُعمّم وتستفيد منها الدول المشاركة في قمة غلاسكو، هذا إذا كان العالم يرغب بالفعل في مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية بجدية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة