"قصائد دون سن الرشد" لحسين بن حمزة.. اللغة الشعرية بلا "ترهلات"
ديوان "قصائد دون سن الرشد" يعتمد حرفية بالغة في التعاطي مع اللغة، وضبط العلاقة بها بميزان حساس، بحذف "الزوائد اللفظية"
يخطو الشاعر السوري حسين بن حمزة بقصيدة النثر العربية خطوة أبعد باتجاه التقشف وإزاحة الكلمات الزائدة، حيث لا مجال لأي نوع من الثرثرة الانفعالية أو الترهل السردي، والهدف هو الاحتفال بالحب عبر "الحذف" لا الكتابة.
وفي ديوانه الصادر مؤخرا عن دار أثر السعودية تحت عنوان: "قصائد دون سن الرشد" الكثير من الرغبة في إعادة النظر في بنية قصيدة النثر ذاتها، وذهاب أعمق نحو خلق شعرية يمكن تسميتها "شعرية القنص"، وبالأدق هي شعرية "أطياف"، يسعى صاحبها طوال رحلته مع الكتابة لمطاردة أكثر من شبح، وتشيع فيها نبرة "المناجاة" أحيانا أو نبرة "الوخز" في أحايين أخرى، فهو يقول "شعرك القصير/ طال غيابه" .
لا تراهن قصيدة بن حمزة كما في السابق على تفاصيل الحياة اليومية، بل تعتمد بالكامل على "وهج اللحظة"، وتبدو كتاباته إجمالا إضاءة على لحظة غائمة في ذاكرة تعاني الكثير من أشكال الخسارة، وفي المقابل لا تعمل القصيدة لبلوغ شعريتها على استنزاف اللحظات في استهلاك المفارقة أو شعرية المشهد اللتين كانتا من سمات قصيدة الثمانينيات العربية، وهيمنت بعدها على المشهد الشعري العربي في مجمله.
وتضم المجموعة قصائد قصيرة لا تتعدى بضعة أسطر، وأحيانا تتألف القصيدة الواحدة من سطرين أو من جملة شعرية واحدة، وقسمه الشاعر إلى 4 أقسام رئيسية، ومفتتح تمهيدي تحمل العناوين التالي: "نقود الوحدة- أربي اسمك- شيخوخة- غرف".
يعكس الديوان حرفية بالغة في التعاطي مع اللغة التي يضبط الشاعر علاقته معها بميزان حساس، يندر أن يختل به في اتجاه كتابة "الزائدة اللفظية"، ما يجعله أقرب لنحات يمسك طوال لحظة الكتابة بـ"أزميل" يخلص كلماته، ما يثقل المعني ويرمي به في دوائر المجاز البلاغي أو فضاءات الحشو والتكرار.
وتقترب قصائد بن حمزة في مسعاها من قصائد "الهايكو" في الثقافة اليابانية أو نصوص "الزن" في الفلسفة البوذية التي تقوم على مناجاة المطلق، وهي مثلها حافلة بمختلف أشكال الحنين: "بالطريقة التي تحركين بها يدك/ وأنت تتحدثين/ لا يحتاج الشعر إلى كتابة"، وما يلفت النظر أن صاحبها يتجنب دائما استهلاك الجمال الجسدي بصورة مباشرة في الكتابة.
ومثل "الهايكو" أيضا تقوم على الأناقة والحس الإنشادي الذي قد يبالغ في اللجوء إلى "الأنا"، ولكن من دون التورط في مزالق الرومانسية التي تأخذ النص نحو "ميلودراما الفقد"، فصاحب الديوان يقول "يدي/ لأنك قبلتها/ ستعيش أكثر مني" أو "كلنا نعرف أن لديك جناحين/ لكنك تفضلين السير بيننا"، وتشيع في الديوان أجواء العزلة والوحدة والفقد المتكرر أو الشعور بوطأة الزمن، ومن ذلك ما يكتبه في المقطع التالي: "في الطريق من المطبخ إلى غرفة النوم/ أتقدم في السن".
ومن الصعب تفادي وعي صاحبه العميق بتحولات قصيدة النثر العربية وتراكمات أجيالها وليس من الصعب العثور على "أسلاف" في قصيدة حسين بن حمزة التي تدين بالكثير لأنسي الحاج أو لوديع سعادة ومحمد الماغوط، لكن صاحبها الذي يعرف أغلب الوصفات الشائعة نجح إلى حد كبير في إخراج كل أصحاب تلك الوصفات الشائعة خارج مختبره الشعري، وبات ما يكتبه ينتمي إلى وعيه التراكمي الراغب في تحرير قصيدته بالكامل من النزعة السردية التي تأخذ أغلب النصوص التي تنتج الآن في اتجاه الكتابة النثرية الخالصة، فهو القائل: "ليس لديك سوى هذه الكلمات المستعملة وعليك أن تكتب شيئا جديدا".
وبالإضافة إلى نزعة الخلاص التي تؤطر للديوان هناك سخرية لافتة يستعملها الشاعر لتأكيد طغيان الشعور بالضعف والهشاشة وربما الكثير من العدم. فهو الذي يقول "لم تستطع العاصفة اقتلاع اسمك من رأسي/ فراحت تشفي غليلها بالأشجار وأعمدة الإنارة".
وقبل ديوانه الأخير أصدر الشاعر حسين بن حمزة مجموعة شعرية وحيدة عام 1997 عن دار "الجديد" في بيروت، بعنوان "رجل نائم في ثياب الأحد"، ثم صدرت طبعة ثانية منها لدى دار "أثر" أيضاً. وهو يقيم الآن في ألمانيا بعد عشرين عاما عاشها في بيروت، وعمل فيها محررا ثقافيا كتب لعدة صحف ومجلات.
aXA6IDMuMTcuMTU0LjE0NCA= جزيرة ام اند امز