مبدعون يردون على صلاح فضل: الشعر مزدهر لكن النقد لا يتابع التجديد
الدكتور صلاح فضل، يؤكد في سلسلة مقالات كتبها مؤخرا أن "قصيدة النثر الحداثية صنعت قطيعة مزدوجة مع التراث القريب والبعيد".
لم تعد معاناة الشعر العربي قاصرة على تراجع حجم مبيعات دواوين الشعر خلال السنوات الأخيرة، أو حالة العزوف الجماهيري عن حضور أمسياته فقط، وإنما وصلت للدرجة التي جعلت ناقدا بارزا مثل الدكتور صلاح فضل، يؤكد في سلسلة مقالات كتبها مؤخرا أن "قصيدة النثر الحداثية صنعت قطيعة مزدوجة مع التراث القريب والبعيد، وأخرى أليمة مع ذائقة الجمهور، وأدارت ظهرها له، وسخرت من سطحيته، وتشبثت بعوالمها التجريبية الفردية، وعزفت عن تمثيل رؤية الجماعة واحتضان موروثها الجميل"، حسب قوله.
"العين الإخبارية" حاولت رصد ردود فعل الشعراء حول موت الشعر، وما إذا كانت علاقته مع الجمهور قد انتهت.
الشاعر البحريني عبدالحميد القائد، أكد أن ما طرحه صلاح فضل يقترب من الصواب، حين تساءل عن تراجع الشعر العربي أمام الجبروت المتعاظم للرواية التي بدأت تسحب البساط من تحت أقدام الشعر، لكن من الإنصاف القول إن قصيدة النثر في الفترة القريبة أسرت القلوب والساحات والجدران واقتحمت مجاهل أسرار الشعر، وصار أغلب شعراء الجيل الجديد يفضّلونها، لأنها ربما الأقرب إلى روحهم.
وأضاف: "تسببت قصيدة النثر في اقتراب الشعر من السرد، في حين بدأ الشعر العمودي وشعر التفعيلة يفقدان ما كان لهما من حضور، ليصبح الشعر بصورته الراسخة (فنا يتيماً ووحيداً) بلا جمهور، حتى دور النشر العربية غزاها وباء الرفض والاستهانة بالشعر، وبدأت تعتذر عن عدم نشر الدواوين بحجة قلة القراء".
وبدوره أكد "القائد" أن دور الشعر في العالم تغير بالتوازي مع ما أحدثته ثورة وسائل الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي من تأثير على اتجاهات القراءة وأشكالها، والبطولة الآن للنص الرقمي أو للنص السطحي الشفاهي الذي يسهل تداوله عبر الوسائط، ولهذا يتعاظم الإقبال على الشعر النبطي ربما لسهولته، ولأنه باللغة المحكية التي لا تحتاج إلى الكثير من العناء لفهمه".
ومن جهته يقول الشاعر العراقي شوقي عبدالأمير إن "الشعر العربي يعيش نهضة حقيقة تسود فيها قصيدة النثر المشهد الشعري وتقدم نماذج -وإن كانت قليلة وهذا طبيعي- لكنها ترتقي إلى المستوى العالمي، والمشكلة في النقد العربي بشكل عام لأنه تخلف عن مواكبة التجديد".
ويؤكد الشاعر والناقد المغربي عبداللطيف الوراري أنّ العصر الذي نعيشه بكلّ اشتراطاته السياسية والاجتماعية حمل إلينا تحوّلات خطيرة مسّت جوهر علاقة الإنسان المعاصر بما حوله، بل مسّت علاقته بنفسه ورؤيته للعالم المرئي والميتافيزيقي، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا على فنون القول وعلى رأسها الشعر.
ويتابع الورواري مؤكدا: "لا يصحّ أن نتناول قضية الشعر المعاصر بمعزل عن هذه التحوّلات بانفجاراتها وهجراتها وإحباطاتها وموجات اليأس والشك والعدمية التي أشاعتها، وربّما ناظرت في ذلك ما مرّت به سابقًا حركة الشعر الحرّ؛ حين واجهت الخطاب التقليدي الرافض لها، فالاقتراب من تجديد الشعر يلزمه تغيير زاوية النظر وأدوات تحليل الخطاب".
ويتهم الشاعر الفلسطيني راسم المدهون، الناقد صلاح فضل، بـ"الانحياز للرواية" ويقول: "حين انتهيت من قراءة رأي الدكتور صلاح فضل عن الشعر العربي صعد إلى خاطري سؤال طالما داعب مخيلتي دون جواب: (كيف كان الشكل الفني لشعر البدايات الشعرية العربية، أي قبل أن تأخذ تلك البدايات شكل اكتمالها في صيغة الشعر العمودي؟" مضيفا: "لا نملك إجابة، والأكيد أنه يخطر ببال من يعيش القرن الحالي أن يتساءل عن العلاقة التي تربط الشعر بالفن التشكيلي والفنون البصرية الدرامية بما هي فنون ترى العالم والحياة بعين الحلم.
واستطرد: "إذا تماديت في (اللعبة) علينا أن نشير إلى المسافة الشاسعة التي باتت تفصلنا عن الشاعر السوري محمد الماغوط مثلا، وهي مسافة تجعلنا نكتسي ملامح جديدة دون أن تضعنا في قطيعة نهائية معه، بل تشير إلى رهان الشعر على انتمائه للدهشة الأولى، وما تطرحه من أسئلة وجودية كبرى تنطلق لتخيل إجابات أخرى تتجنب تقديس ما سبقها".
ويرى الشاعر المصري علي عطا أن البحث عن حال الشعر العربي يتطلب بالضرورة
طرح السؤال الأهم، وهو ماذا جرى للثقافة العربية؟ مضيفا: "السياق الثقافي العربي العام، لا ينفصل بدوره عن سياق سياسي مأزوم جدا خاصة في علاقته بالحريات، ومن ثم نستطيع أن نقرن ذلك بانزواء إبداع الشعر، بل وبانزواء الإبداع عموما".
ويضيف "عطا": "من ناحية أخرى يبدو واضحا أن صلاح فضل نفسه له دور في الاحتفاء بنمط محدد من الشعر، على حساب أنماط أخرى، كما يتجاهل في الوقت ذاته جهود ومبادرات أخرى تقاوِم القبح، بأنشطة تحتفي بالشعر والشعراء، ومنها مثلا (منتدى الشعر المصري الجديد)، و(ملتقى قصيدة النثر) الذي يعقد سنويا، و(مهرجان طنطا الدولي للشعر)، وبالتأكيد هناك ما يماثلها في أنحاء مختلفة من عالمنا العربي المنكوب".
أما الشاعر والكاتب السعودي أحمد الحربي فيقول: "لست مع هذه التهمة التي تدعي بأن الشعر خفت صوته في السنوات الأخيرة، أو أنه تنازل عن عرشه أمام الرواية، فالصحيح أن الشعر يمر بمراحل تطور مختلفة كما أن جمهور الشعر في ازدياد مستمر نظرا لخصوبته وحضوره وتطوره، وتميزه بالتأثير المباشر على المتلقي".
ويرى التونسي محمد ناصر المولهي أن اتهام "قصيدة النثر" بأنها أدارت ظهرها للجمهور، هو موقف ضدها، لأنها تصح على بعض التجارب في قصيدة النثر العربية بينما يجانب الصواب بشكل كلي مع تجارب أخرى، مضيفا: "لنأخذ مثلا قصائد الشاعر السوري الرائد رياض الصالح حسين التي لم تأخذ حقها في القراءة رغم جمالياتها، وبالتالي ربما كان من الأجدر التساؤل أيضا: ماذا جرى لجمهور الشعر؟".