الأطماع التركية على المستويين العربي والإسلامي هي أبرز نقاط الالتقاء بين دمشق وشقيقاتها
لا يمكن أن تكون العواصم العربية مسرورة كثيرا ببعد دمشق عنهن ولا بعزلتها عن محيطها العربي، فهذا لم يكن مطلبا لأحد باستثناء دولة قطر التي عملت على ذلك جاهدة بالتعاون مع دول غير عربية لتسييس الملف السوري وتدويله، وبالفعل نجحت في ذلك حين تمكنت عبر نفوذها المالي والسياسي عقب اندلاع الأزمة عام 2011 آنذاك من تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية ووصل بها الأمر لإعطاء مقعدها للمعارضة في قمة الدوحة عام 2013 رغم اعتراض الكثير من الدول على هذه الخطوة.
الغالب من ضباط القوات السورية لا يؤمنون بالعقيدة الإيرانية وينظرون إليها بطريقة مختلفة تماما عما يتخيل البعض، وهذا ما يعرفه السوريون عن قرب من خلال العلاقات الاجتماعية أو حتى حالة التذمر عند هؤلاء العسكريين من العجرفة والفوقية الإيرانية أو حتى المليشيات التي جلبتها إيران إلى سوريا
لاشكّ أنّ الزخم العربي باتجاه دمشق خفت وتيرته بعد فتح السفارتين الإماراتية والبحرينية، علما بأنّه كان من المتوقع لعجلة الانفتاح على عاصمة الأمويين أن تكون أكثر تسارعا، ولكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، لذلك جاء التصريح المصري بأنّه يجب على دمشق تنفيذ بعض المطالب حتى تعود إلى الجامعة العربية.
في الواقع لم يكن الموقف المصري بهذه الجرأة لولا أنه أدرك أنّ ثمة من يريد استغلال الانفتاح العربي على سوريا واعتبار ذلك انتصارا لما سُمي "محور المقاومة" والمقصود كل الأطراف الموالية لإيران وتوابعها في المنطقة العربية، لذلك تمت المراجعة على نحو أكثر بطئا من أجل التنسيق المباشر على الأقل مع دمشق وجسّ نبضها فيما إذا كانت هي الأخرى مستعدة للانخراط مع شقيقاتها العربيات بشكل أكبر فيما يخصّ التهديدات التي تتعرض لها البلدان العربية.
الأطماع التركية على المستويين العربي والإسلامي هي أبرز نقاط الالتقاء بين دمشق وشقيقاتها، ولكن هذا لم يصل بالعلاقة بين الطرفين إلى درجة الاعتراف بالسلطات الحالية من قبل الحكومات العربية التي قاطعت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وإن كانت معظم الدول لا تزال تنسق مع السلطات السورية فيما يخصّ الأمور الأمنية.
التوغل التركي في الشمال السوري دفع بالبلدان العربية لأخذ الحيطة أكثر، خاصة أنّ أنقرة تعمل على لعب دور رئيس في العراق من خلال محاربتها من تصفهم هي بالتنظيمات الإرهابية قاصدة بذلك حزب العمال الكردستاني، يضاف إلى ذلك زجها بالمزيد من جنودها في الدوحة وهذا له دلالات كبيرة إذ بقيت منطقة الخليج العربي محصنة من التدخلات الأجنبية حتى باتت اليوم أمام تهديدين لا يختلف أحدهما عن الآخر في الأهداف، وهما النفوذ الإيراني في اليمن العربي وهو خاصرة المملكة العربية السعودية، وكذلك هيمنة أنقرة على قرار الدوحة وما كشفته الاتفاقيات السرية بين الطرفين يشي بالكثير من الاستسلام للأتراك من قبل حكام قطر من دون مقابل، وهذا ما يضع العرب أمام تحديات كبيرة ليست في سوريا والعراق واليمن ولبنان بل وقطر كذلك التي ارتضت لنفسها السقوط بحضنين غير دافئين تركي طامع وإيراني حاقد.
ما أدوات العرب لتحجيم الدور الإيراني في سوريا وكبح جماح تركيا وكيف لهم تحقيق ذلك؟
يمكن الحديث مع دمشق بشفافية حول هذا الموضوع ولكن من الخطأ الطلب منها فك الارتباط بإيران بشكل فوري، لأنّها لن تكون قادرة على ذلك، خاصة أنّ طهران عملت طوال الفترة الماضية على زرع قواعد لها في المجتمع السوري وهذا يشكل عبئا على السوريين حكومة وشعبا.
ثمة الكثير من الأمور يمكن من خلالها للدول العربية العمل على تهيئة الظروف الملائمة لتخليص سوريا من الهيمنة الإيرانية والتركية في آن واحد والالتصاق أكثر بمحيطها العربي وإن بشكل تدريجي.
من هذه الأمور مثلا أنّه لا قاعدة شعبية لإيران في سوريا، وعليه يمكن استثمار ذلك من خلال التركيز على مساعدة السوريين سواء في موضوع إعادة الإعمار أو حتى تسهيل تحركاتهم ضمن منظومة الدول العربية وفتح المجال لدوران عجلة الاقتصاد السوري من خلال مشاركة السوريين في بعض المشاريع ودعمهم في ذلك؟
كذلك يمكن الأخذ بعين الاعتبار أن الكثير أو نستطيع القول إنّ الغالب من ضباط القوات السورية لا يؤمنون بالعقيدة الإيرانية وينظرون إليها بطريقة مختلفة تماما عما يتخيل البعض، وهذا ما يعرفه السوريون عن قرب من خلال العلاقات الاجتماعية أو حتى حالة التذمر عند هؤلاء العسكريين من العجرفة والفوقية الإيرانية أو حتى المليشيات التي جلبتها إيران إلى سوريا وهذا يشكل نقطة قوة في تحجيم دور إيران.
يضاف إلى ذلك استثمار المساحة الكبيرة التي يسيطر على الأكراد في سوريا بالتواصل معهم ودعم مطالبهم وتبني مشروعهم غير الانفصالي في المحافل الدولية، ما يقطع الطريق على استغلال ذلك من إيران، خاصة بعد النكسات التي تعرض له الأكراد من قبل حلفائهم الأمريكيين وملاحقة رئيس تركيا رجب طيب أردوغان لهم.
كذلك يمكن للدول العربية تبني وجهات نظر المعارضين السوريين الوطنيين الذين يرفضون الانصياع للقرار التركي ويؤمنون بوحدة الأراضي السورية وعدم تقسيم البلاد، والعمل مع هؤلاء على حل يضمن مستقبلا سياسيا لا يفرط في سوريا وهذا ما تبحث عنه روسيا اللاعب الرئيس هناك، لذلك ستكون من أشد المرحبين بهكذا نموذج يساعدها هي الأخرى إلى حد ما على التخلص من العبء الإيراني المشارك لها في النفوذ على الأرض السورية.
كل هذه الأمور يمكن من خلالها العمل على تقويض المشروعين الإيراني والتركي في سوريا والتعامل مع الحكومة الحالية على أساس ما يجمع أكبر مما يفرق إلى حين نضج التسوية السياسية والوصول بالبلاد إلى حكم يمثل الجميع من دون استثناء عندها سيكون الموقف العربي أكثر وضوحا والأكيد أنّه سيكون في صالح سوريا وعروبتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة