ليس من المبالغة القول بأنّ الحرب في سوريا باتت أقرب للنهاية مع انخفاض مستوى العنف بين طرفي النزاع.
ليس من المبالغة القول بأنّ الحرب في سوريا باتت أقرب للنهاية مع انخفاض مستوى العنف بين طرفي النزاع على نحو بات ملاحظا في جميع المناطق السورية التي خضع كثير منها لاتفاقيات داخلية أو مايُعرف بالتسويات، كمنطقة وادي بردى والتل وخان الشيح وداريا، والمعضمية والهامة وقدسيا والقابون ومناطق أخرى في درعا.
ثمة من يأتي على نظرية أنّ الرئيس السوداني ماهو إلاّ ناقل رسالة من تركيا وقطر إلى دمشق وهذا بالطبع ليس واقعيا لسبب واحد، أنّ المنسق لهذه الزيارة هي روسيا حتى أنّها لم تكلف السودان عبء نقل رئيسه وتكفلت هي بذلك كما تتحدث الكثير من المصادر
كلُّ هذا جرى بالاعتماد على أبناء المناطق ذاتها الذين فتحوا باب الحوار مع النظام وتوصلوا معه لمعاهدات تضمن وقف إطلاق النار وأخرى ضمن تفاهمات الدول الثلاث الضامنة لاتفاق أستانا روسيا وتركيا وإيران.
مع ذلك لايمكن التسليم بأنّ حكومة الرئيس السوري بشار الأسد هي من انتصرت على المعارضة في حرب الخاسر فيها الشعب السوري الذي قُتل منه الكثير وشُرّد الملايين وفقدَ مئات الآلاف منه بيوتهم وبقوا من دون مأوى.
مع قرب نهاية هذه الحرب بقيت خمس دول "روسيا-إيران- تركيا- الولايات المتحدة-إسرائيل" تتصارع فيما بينها على مناطق النفوذ للسيطرة على سوريا، والحصول على امتيازات مستقبلية على جميع الأصعدة؛ مستفيدة من حالة عدم الاستقرار في هذا البلد ولكل واحدة من هذه الدول أدوات تساعدها في ذلك.
بعيدا عن شرح دور هذه القوى الإقليمية والعالمية في آن واحد من الملاحظ أنّه لاوجود للعنصر العربي في مسيرة تطور الأحداث الأخيرة في سوريا، وهنا النظرة مختلفة، ففي الوقت الذي تبحث فيه الدول الخمس عن مصلحتها سواء السياسية أم الاقتصادية في بلد مؤثر كسوريا تتحرك بعض الدول العربية مؤخرا لإنقاذ هذا الدولة المحورية من الوقوع في غياهب البئر الإيراني التركي معا وإيجاد صيغة يمكن من خلالها التفاهم مع الروسي والأمريكي على تحجيم دور أنقرة وطهران، وعدم غوصهما أكثر في رسم مستقبل سوريا وفق رؤيتهما التي لم ولن تخدم السوريين أولا ولا أشقاءهم العرب في المرتبة الثانية.
ضمن سياسة الأمر الواقع التي تعيشها سوريا باتت دول كثيرة غير عربية تفتح لنفسها منافذ للتعامل مع الأسد وحكومته، ومنها تركيا التي أدلى وزير خارجيتها بتصريح من الدوحة بأنّ بلاده ستدرس إمكانية التعامل مع الرئيس السوري إذما فاز بانتخابات ديمقراطية، وهذا دليل على أنّ قراءة أنقرة للمشهد السوري باتت تسير في هذا الاتجاه خاصة مع العلاقة الجيدة بين الرئيس الروسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وبحث الأخير عن متنفس اقتصادي ينقذ به تركيا من تبعات الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يتعرض لها من الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، ويتحقق له ذلك عبر روسيا وسوريا في آن واحد.
ثمة من يأتي على نظرية أنّ الرئيس السوداني ماهو إلاّ ناقل رسالة من تركيا وقطر إلى دمشق، وهذا بالطبع ليس واقعيا لسبب واحد، أنّ المنسق لهذه الزيارة هي روسيا حتى أنّها لم تكلف السودان عبء نقل رئيسه وتكفلت هي بذلك كما تتحدث الكثير من المصادر.
عاملان اثنان دفعا البشير إلى زيارة دمشق:
العامل الأول البحث عن دور عربي في حلحلة الأزمة السورية من خلال التحركات الأخيرة التي بدأتها البحرين بلقاء وزير خارجيتها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بنظيره السوري وليد المعلم على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، والبشير قد يفتح الباب عريضا نحو زيارات أخرى من الوارد كثيرا أن يكون فيها الأسد الرئيس الزائر وليس المُزار إلى بلدان عربية كمصر والجزائر وسلطنة عمان، اللواتي يشكلن نقطة بداية لدور عربي تحدث عنه الرئيس السوري مؤخرا في لهجة تبدو جديدة على نظام طالما كال الاتهامات إلى محيطه العربي بأنهّ كان مشاركا بما يجري في سوريا، وهذا مؤشر على تغيير واضح في سياسة دمشق وخطابها السياسي والإعلامي في آن واحد تجاه شقيقاتها العربيات.
العامل الثاني يتمثل بسعي روسيا الدؤوب عبر حلفائها من الدول العربية لمثل هكذا زيارات وفتح المجال أمام عودة سوريا إلى محيطها العربي لسببين اثنين:
أولاً: بحث روسيا عن حامل لها على صعيد تسويق نفسها دولة صاحبة تجربة ناجحة في محاربة التنظيمات المتطرفة على عكس مافعلته القوى الغربية الأخرى في العراق وليبيا، وفي هذا نقاط قوة للرئيس الروسي فلادمير بوتين أمام شعبه أولا وأمام العالم ثانيا، وحجز مكان شبه دائم على الأرض السورية بمباركة عربية على حساب قوتين اثنتين تسعيان لذلك هما إيران وتركيا.
ثانياً: تخفيف الحرج على موسكو في لعب دور فعال باتجاه تحجيم النفوذين الإيراني والتركي لصالح آخرعربي يسهم في إعادة الإعمار والمشاركة في وضع لمسات الحلّ الذي تسعى روسيا لإبرامه بمشاركة الولايات المتحدة التي تصرّ على خروج إيران وميليشياتها من سوريا بشكل نهائي.
في الواقع عبارة واحدة جاءت في المؤتمر الصحفي عقب لقاء الأسد البشير كفيلة بفهم أسباب الزيارة، وهي أنّ ماتتعرض له البلدان العربية كفيل بفرض مقاربات جديدة من خلالها يمكن الوصول إلى حالة من التنسيق والتعاضد تقطع الطريق على من يسعون لإضعاف العرب وسلب دورهم. (راجع تصريحات الرئيس التركي ضد السعودية وكذلك الموشح الإيراني بسيطرة طهران على أربع عواصم عربية).
نستطيع القول بأنّه وفقا للظروف الراهنة التي فرضت متغيرات لايمكن تجاهلها بدأت كثير من الدول العربية تتعامل وفق صيغة الأمر الواقع المتمثل ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه، وإمكانية ترشحه في انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة يشارك فيها السوريون في الداخل والخارج، وهذا ماتأتي عليه تصريحات أغلب الدول بأنّ السوريين هم من يقررون مصيرهم بأنفسهم كما قال الرئيس السوداني عمر حسن البشير عقب اختتام زيارته العاصمة السورية دمشق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة