الإمارات تجد نفسها اليوم ملزمة باتخاذ خطوات بالتنسيق مع أشقائها وحلفائها لتجاوز الغياب العربي عن الحل في سوريا وإنهاء وضعية خاطئة.
ألقت الإمارات بحجر في المياه الراكدة بإعلانها إعادة العلاقات مع سوريا وعودة العمل بالسفارة الإماراتية في دمشق، في خطوة طرحت العديد من الأسئلة حول تداعيات القرار.
ووضعت وزارة الخارجية الإماراتية إجابات عن أغلب الأسئلة في بيانها يوم الخميس 27 ديسمبر/كانون الأول، بالحديث صراحة عن حرص الإمارات على إعادة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي، بما يعزّز ويفعّل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة سوريا ووحدة أراضيها، إلى جانب درء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن السوري، في سياق تطلع إلى سيادة السلام والأمن والاستقرار في ربوع سوريا.
حذرت الإمارات مبكرا وبشكل واضح من تحييد العالم العربي عن جهوده في تسوية الأزمة السورية وتحدثت صراحة عن أخطاء في الاستراتيجية العربية، منها إبعاد سوريا عن الجامعة العربية. ولكنها في الوقت ذاته ظلت ضمن التوافق العربي ولم تسعَ للخروج منفردة عن الموقف العربي
لخّص البيان في كلماته التي لم تتجاوز 100 كلمة فقط الموقف الإماراتي المبدئي من الأزمة السورية خلال 7 سنوات حملت مداً وجزراً، وشهدت ضبابية في الموقف العربي سمح بمزيد من التدخلات الإقليمية، خاصة من تركيا وإيران في الشأن السوري، وغياب عربي كامل عن محاور التسوية والبحث عن حل سياسي للأزمة.
إن الإمارات تجد نفسها اليوم ملزمة باتخاذ خطوات بالتنسيق مع أشقائها وحلفائها لتجاوز الغياب العربي عن الحل في سوريا وإنهاء وضعية خاطئة، ترك فيها العرب سوريا لصالح أطراف غير عربية، لتصبح هي الأطراف الرئيسية اليوم على أي طاولة للحوار بشأن مستقبل هذا البلد العربي.
منذ بداية الأزمة السورية في 2011 كانت الإمارات وما زالت تؤكد ضرورة الحل السياسي والسلمي للأزمة، ووقفت بجانب الشعب السوري الشقيق من اللحظة الأولى، ومع دخول النظام السوري في مرحلة من الاستخدام المفرط للقوة، ورفض الحلول السياسية قررت الإمارات قطع العلاقات، واصطفت مع الأطراف العربية الفاعلة، في محاولة لزيادة الضغوط من أجل حل سياسي وسلمي.
وبينما كانت الإمارات ودول عربية رئيسية تسعى لإقناع الأطراف بالحل السياسي، كانت هناك دول تمول الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في سوريا، لتتحول الثورة السورية إلى حرب مفتوحة تقسم دولة عربية شقيقة، وتفتح الباب أمام تدخلات تركيا وإيران، وفي الوقت نفسه تفتح الباب أمام الشيطان "الداعشي"، ليتمدد ويهدد الاستقرار والأمن الإقليمي بل والعالمي.
كانت الإمارات منذ البداية ترى أن دعم التنظيمات الإرهابية في مواجهة النظام السوري كالرقص مع الثعابين! واعتبرت أن هذه الخطوة بمثابة المستجير من الرمضاء بالنار، ووقفت الإمارات بكل حزم ضد الأطراف التي موّلت الإرهاب، واقتصرت اتصالاتها على الأحزاب والكيانات المعتدلة في سوريا، وظلت تشدد على أن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي المستند إلى مرجعية جنيف وتفعيل المسار السياسي.
بالتوازي مع هذه الرؤية الاستراتيجية كانت الإمارات لا تحيد عن موقفها المبدئي تجاه الشعب السوري، حيث استقبلت أكثر من 100 ألف سوري في 2011، ومنحتهم تصاريح للإقامة، وقدمت مساعدات إلى النازحين داخل الأراضي السورية واللاجئين في الدول المحيطة بلغت أكثر من 1.1 مليار دولار.
وفي ظل المتغيرات المتسارعة التي شهدتها المنطقة وسوريا خلال السنوات الأخيرة، كانت الإمارات دائما تحذر من خطورة التدخلات الإقليمية في الشأن السوري.
وكان الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي صريحاً في الحديث قبل أشهر عن أن الحل في سوريا جزء منه يتمثل في خروج أطراف تقلل من سيادة الدولة السورية، متحدثا بوضوح عن إيران وتركيا.
وفي ظل رؤية الإمارات لتعقيدات الموقف في سوريا وقراءتها للتطورات المتلاحقة كان حديث الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية عن ارتكاب العرب أخطاء استراتيجية تجاه الأزمة السورية منها مقعد سوريا في الجامعة العربية.
وتحدث قرقاش وقتها عن وجود ثلاثة محاور تتصارع حاليا في العالم العربي هي: إيران التي تسعى عبر دور طائفي إلى لعب أدوار في العالم العربي، والمحور الثاني الذي يخدم الأهداف التركية ويحظى بالدعم من "الإخوان" الإرهابية من خلال استغلال الخطاب الديني وتكفل قطر مهمة تمويله ماليا، ومحور ثالث اختارته الإمارات هو محور عربي وسطي أعمدته الأساسية مصر والسعودية.
هكذا حذرت الإمارات مبكرا وبشكل واضح من تحييد العالم العربي عن جهوده في تسوية الأزمة السورية، وتحدثت صراحة عن أخطاء في الاستراتيجية العربية، منها إبعاد سوريا عن الجامعة العربية، ولكنها في الوقت ذاته ظلت ضمن التوافق العربي، ولم تسعَ للخروج منفردة عن الموقف العربي، ودعت بوضوح إلى مراجعة شاملة وجادة للدور العربي تجاه الأزمة السورية واستيعاب الدروس بمرارة وعقلانية.
وحملت الأشهر الأخيرة تطورات جديدة، حيث زاد التغول الإيراني والتركي في الشأن السوري، وما تبعه من تطورات قد تزيد من تغول طهران وأنقرة، ويترك لهما مساحة أكبر للتدخل.
وهنا أدرك المحور العربي الوسطي أن عليه التحرك بسرعة في مواجهة إقصاء متعمد من الاجتماعات المتعلقة بسوريا، وضعف الدور العربي في التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
وكان واضحاً أن القاهرة قد تحركت علناً، واستقبلت مسؤولين أمنيين سوريين في القاهرة، تُوج بلقاء علني قبل أيام مع مدير المخابرات المصرية.
في هذا السياق فإن القرار الإماراتي بعودة العمل السياسي والدبلوماسي في دمشق يمكن فهمه وفق التصريحات التي أدلى بها الدكتور أنور قرقاش، من حيث إن المرحلة المقبلة تتطلب الحضور والتواصل العربي مع الملف السوري، حرصا على سوريا وشعبها وسيادتها ووحدة أراضيها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة