مخطئ من يظن أن ثمة انسجاما ما بين المسؤولين السوريين وإيران الساعية لتكبيل بلدهم ومصادرة قرارها
منذ بداية الأحداث في سوريا عام 2011 حتى اللحظة انقسم السوريون بين معارض يسعى إلى إسقاط النظام ومؤيد يتشبث بالدولة ورئيسها، وهو المشهد الذي رست عليه الحالة عقب سبع سنوات من الحرب كانت كافية لتغير وجه سوريا البلد الجميل إلى أكبر كارثة بشرية يشهدها العصر الحديث، وفق تقارير الأمم المتحدة. الانقسام الحاد دفع الأطراف المتصارعة على الأرض إلى البحث عن داعمين في سبيل تحقيق نصر أحدهما على الآخر.
جاء فتح السفارة الإماراتية ومن بعدها البحرينية في دمشق تحت بند واحد ومهم وهو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم ترك هذا البلد العربي للخارج وكأن هذه الدول تقول للسوريين نحن أولى بكم من الطامعين بأرضكم
في الواقع لم تحتج إيران لكثير من المسببات لتتوغل في سوريا، فهي ترغب بذلك منذ نشأتها الحديثة، وتعمل للهيمنة على أحد أهم البلدان العربية، وفق نظرية تصدير ثورتها إلى المحيط العربي القريب منها، وهذا ما تم لها، وإن بشكل غير مكتمل، ويعود ذلك إلى ذهنية النظام الموروثة عند مسؤوليه من الرئيس السابق حافظ الأسد الذي كان يرفض تسليم رقبته إلى إيران، إدراكا منه أن مشروعها يتناقض ومشروع الدولة الذي كان يعمل عليه "دولة علمانية".
في المقابل وضعت تركيا رجب طيب أردوغان كل ثقلها لدعم المعارضة ليس المعتدل منها، وإنما الفصائل المتطرفة، واحتجزت ضباط "الجيش الحر" في ثكنات داخل أراضيها، وتركت الساحة للعناصر المتطرفة تعيث فسادا في سوريا، ووصل بها الأمر إلى درجة فتح الحدود التركية السورية، وترك المجال أمام متطرفي العالم أجمعه للوصول إلى سوريا ومقاتلة النظام الذي باتت تصنفه أنقرة في خانة الأعداء بعدما كان الصديق الحميم لها.
لا شك أن المشروعين الإيراني والتركي متناغمان ومنسجمان نحو هدف واحد، وهو الهيمنة على القرار السوري عبر دعم شخصيات وأطراف سياسية أو عسكرية في الداخل، وهذا ما يفسر دور هاتين الدولتين في مسألة وضع أسماء اللجنة الدستورية المقترحة من الأمم المتحدة.
أمام هذين التحالفين برز المشروع العربي الذي رفض علانية تسليم سوريا إلى هاتين القوتين اللتين تستغلان هشاشة الوضع السوري وحاجة طرفي الصراع إلى كل قوة منهما.
تمثل التدخل العربي بشكله الجديد في وضع آلية لانتشال سوريا من الحضن الإيراني وإبعاد المعارضة عن تركيا والوصول بالأطراف السورية إلى لحظة الوعي الكامل بأن ما تتصارعان عليه الآن "سوريا ومستقبلها السياسي" قد لا يبقى على حاله في المستقبل القريب خاصة في وجود أطراف دولية تسعى لتقسيم سوريا وإضعافها أكثر.
الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان وفي المقدمة المملكة العربية السعودية ذات الرؤية الحديثة وبدعم من مصر وتنسيق مع الأردن وإخبار لدول المغرب العربي بدأت عجلة إعادة سوريا إلى محيطها العربي، ودخول شقيقات دمشق على خط تسوية الصراع الحاصل، وعدم ترك الساحة السورية لأنقرة وطهران تلعبان فيها كما تريدان.
جاء فتح السفارة الإماراتية ومن بعدها البحرينية في دمشق تحت بند واحد ومهم؛ وهو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعدم ترك هذا البلد العربي للخارج، وكأن هذه الدول تقول للسوريين نحن أولى بكم من الطامعين بأرضكم.
خطوة الدول العربية هذه لاقت استحسانا كبيرا من الحكومة السورية الحالية التي تغيرت لهجة خطابها السياسي والإعلامي تجاه الدول العربية، وباتت تكرر مؤخرا بأن سوريا متمسكة بعروبتها، ولا يمكن سلخها عن ذلك، في إشارة إلى الأطراف الإقليمية.
مخطئ من يظن أن ثمة انسجاما ما بين المسؤولين السوريين وإيران الساعية لتكبيل بلدهم ومصادرة قرارها وضمها إلى سلسلة البلدان الرامية طهران لتغيير هويتها السياسية والديموغرافية، وقد سنحت لها الفرصة خلال سنوات الأزمة، لكنها كانت تتعامل مع نظام يجيد توظيف جميع الأطراف لصالحه، ويبقى مستقلا بقراره، وهذا ليس مبالغا فيه، لذلك تجده بات ينفر من تدخلاتها مرة إلى روسيا وأخرى إلى الدول العربية التي وإن اختلف معها تبقى أرحم له بكثير من نظام الملالي الطائفي.
ثمة من يقول بأن فتح السفارات العربية في دمشق لن يجدي نفعا بعد ابتلاع إيران وتركيا أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، ووصولهما إلى نفوذ كبير داخلها، ولكن هذا ليس صحيحا، لأن المرء الذي يقع في حفرة أول شيء يجب عليه فعله هو التوقف عن الحفر، وعلى هذا الأساس بدأت الدول العربية تنشط في سبيل تكبيل المشروعين الإيراني والتركي في سوريا، إدراكا منها أن الشعب السوري بحاجة إلى طرف عربي أقرب إليه من هذين المشروعين، وإلا فستضطر العواصم العربية إلى التفاوض مع أنقرة وطهران مستقبلا فيما يخص سوريا إن تُركت الساحة فارغة لهما.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة