«الإسلام السياسي» في 2024.. نهاية «تنظيمية» والأفكار «الحيلة الأخيرة»
في 2024 فجرت الشعوب "شرايين" الإسلام السياسي، ورسمت مسار تفتت تيار غذي بالعنف والإرهاب، لكن التحدي الآن هو القضاء على الفكرة.
ويتوقع الخبراء أن يُستكمل هذا المسار في 2024 تحت عناوين تمضي جميعها نحو انحسار أشد، وتراجع أوسع، وانقسام أكبر للإسلام السياسي، بهامش مناورة ضيق بسبب انكشاف حيله ومناوراته، ليكتب نهاية هذا الفكر بكل ألوانه.
ويرى مراقبون أن الفترة انطلاقا من 2024 وما بعدها ستشهد نهاية الإسلام السياسي تنظيميا وأيديولوجيا، ومحاولات "إنقاذه" لن تمكنه من تجاوز نكبته الأخيرة، وإن بلغ به الأمر إلى التخلي عن أشكاله التنظيمية التقليدية، والتحول إلى تيار واسع من المتباكين على أفكاره.
بين التجني والتمني
بفترة ما.. استطاعت أفكار الإسلام السياسي بمناوراتها وأقنعتها الأيديولوجية الكاذبة أن تجد لها أوعية تنظيمية، فظهرت الجمعيات الدينية في مصر والشام والعراق ودول شمال أفريقيا وبعض الدول الإسلامية في شرق آسيا.
وبناء على ذلك، ظهرت الجمعية الشرعية عام 1911، وجماعة أنصار السنة المحمدية عام 1926، وجمعية الشبان المسلمين في 1927، وجماعة الإخوان عام 1928، وجمعية العلماء المسلمين في الجزائر 1930، وجمعية الهداية الإسلامية في سوريا، وغيرها.
وتعددت الأدوار الوظيفية لتلك الأوعية التنظيمية للإسلام السياسي، فمنها من اكتفت بمحاولة تغيير النمط العام للحياة في الملبس والمأكل وأسلوب التعليم.
ومنها ما انخرط في العمل السياسي لتحقيق ذات الهدف، ومر القرن العشرين بين محاولات الإسلام السياسي لمزاحمة القوى الاجتماعية والسياسية دون حسم واضح.
ثم شهد نهايات القرن العشرين إعادة إنتاج جماعات الإسلام السياسي المسلحة متمثلة في تنظيم القاعدة، الذي أعاد صيغة الإسلام السياسي للمشهد.
كما شهد تحولات جذرية في البنية الفكرية لتنظيمات الإسلام السياسي، وتبادل أدوار في المسار السياسي، فتارة تجدها في مقاعد الحكم وتارة أخرى بصفوف المعارضة.
وكان تجلي الإسلام السياسي في القرن الواحد والعشرين مع وصول جماعة الإخوان للحكم في العديد من البلاد العربية والإسلامية.
إذ شهدت بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وصول الإسلام السياسي للحكم، لكنه في كل مرة كان يصل فيها لغايته يفقدها ويصطدم بمؤسسات الدولة الوطنية، ويتم تفكيك تنظيماته جزئيًا، ثم يعود مرة أخرى مجرد فكرة وتيار، وكأنها دورة حياة.
فقد الإخوان في مصر مقاليد الحكم والمعارضة، وتم تفكيك التنظيم بشكل جزئي، وفي السودان تمت الإطاحة بالحزب الحاكم الإخواني، وجرى حله ومطاردة رموزه.
وفي ليبيا، سقط الإخوان في الانتخابات بشكل مدو، وحاولوا تجنب التفكيك بتكوين جمعيات فكرية لتكون ملاذا لأفكارهم في المستقبل.
وفي المغرب، فقد حزب العدالة شعبيته وخرج حتى من المعارضة، ولم يبق له إلا إرث سياسي يقتات عليه، وفي شرق آسيا أخفق الإسلام السياسي في الاستمرار في الحكم، وحتى الأوعية التنظيمية المسلحة فقدت قدرتها على التمركز وإقامة "الدولة" التي أعلنوا عنها في 2014.
«يقضي على نفسه»
وفي هذا الإطار، يرى سامح عسكر، الكاتب المصري والباحث في فلسفة التاريخ، أن "تيارات وتنظيمات الإسلام السياسي انتهت، ولا سبيل لعودتها مرة ثانية في ظل انصراف الشعوب العربية والإسلامية عنها".
ويقول عسكر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن سبب ذلك يكمن في أن "تلك التيارات تلقت ضربة قاصمة من داخلها، فممارسات الأحزاب السياسية (الممثلة لها) كانت أقل من طموح الشعوب التي انتخبتها، بالإضافة إلى أن خطابها السياسي تجاوزه الزمن ما جعل ممثلي تلك التيارات معزولين جماهيريا وواقعيا".
وتسببت ممارسات الجماعات الأصولية المسلحة مثل القاعدة و"داعش" و"بوكو حرام" وغيرها من التنظيمات المسلحة في عدم الوثوق بوعودها التي تبين أنها مجرد شعارات جوفاء للوصول للحكم.
«لا مستقبل»
بحسب الباحث المصري فإن "انصراف الشباب للانخراط في التيارات القومية اليمينية ظاهرة قد تقضي على آمال الإسلام السياسي في العودة".
وأوضح أن "إعادة إحياء المشروع يحتاج إلى شباب يؤمن بالأفكار، ومناخ اجتماعي يحتضنهم، وهو ما يفتقده الإسلام السياسي فكرا وتنظيما، وليس من المنتظر أن يتغلب على هذه المعضلة في المستقبل القريب أو البعيد".
ويتفق مع عسكر سعود الشَرَفات، الكاتب الأردني ومدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب بعمان، بالقول إن "الإسلام السياسي ليس له مستقبل".
واستدرك الشرفات، لـ"العين الإخبارية"، بالتأكيد على ما سبق "إن ظلت بعض التشكيلات التنظيمية للتيار قائمة ممثلة في الجمعيات أو الأحزاب المعبرة عنه، فالأهم أنها لن تكون فاعلة في الحياة الاجتماعية؛ إذ تجاوزتها الشعوب العربية والإسلامية".
ولفت إلى أنه "من المتوقع أن تستمر جماعات وتنظيمات الإسلام السياسي بالدفع الذاتي، لكن دون فاعلية سياسية".
ومضى قائلا "لن تكون تلك التنظيمات قادرة على التحول إلى قوة، فضلا عن ضعف قدرتها على تطبيق أفكارها بعد إخفاق المشروع ككل في التكيف مع الدولة الوطنية".
من جانبه، يعتبر الكاتب والباحث في الإسلام السياسي هشام النجار أن للإسلام السياسي 3 ألوان واضحة، الأول تيار السلفية الماضوية، والثاني التيارات المسلحة سواء الجهاد الإسلامي أو الجماعة الإسلامية أو القاعدة وداعش وما تفرع منها.
وهذا اللون، يقول الخبير لـ"العين الإخبارية"، يعاني من "مشاكل شديدة في تقبله كقوة سياسية معبرة عن الإسلام السياسي".
أما اللون الثالث، وفق النجار، فهو "جماعات وأحزاب الإخوان التي "تعاني من انحسار شديد، لكن قدرتها على المناورة للعودة كقوة فاعلة في المجتمعات العربية والإسلامية تتوقف على مدى الدعم من القوى الإقليمية والعالمية في رسم دور وظيفي جديد وشكل لها".
"الفكرة والحاضنة"
غير أن النجار يرى أن ثمة دورا وظيفيا يُنتظر من الإسلام السياسي في المنطقة، سواء في تفتيت القوى الوطنية، أو خوض معارك بالوكالة، يمكن أن يمنحه عمرا إضافيا.
هنا التقط عمرو عبدالمنعم، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، الخيط -وزاد على فكرة النجار- أن الساحة شهدت زيارات من فصائل إسلاموية لعدة دول تشهد فراغا استراتيجيا في الفترة الماضية، ما قد يؤشر على أن تكون جاذبة لتيارات الإسلام السياسي وتنظيماته المهزومة، وتمنحها حاضنة جديدة.
أما مصطفى حمزة، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، فيرى أن الخطر الأكبر يكمن في الفكرة التي تقف خلف الإسلام السياسي، وأن بقاء الأخير "مرهون ببقاء الأفكار الرئيسية دون مواجهة ونقد بعد".
aXA6IDE4LjE4OC4xMTMuMTg5IA== جزيرة ام اند امز