المغرب على طريق الريادة بقطاع الطاقة.. إرادة سياسية ومقومات طبيعية
معتمدة على مقوماتها الطبيعية الهائلة، ومستنيرة بإرادة سياسية، تمضي المملكة المغربية بثبات نحو تحقيق الريادة بقطاع الطاقة في المنطقة.
وقد أحرزت المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة تقدماً هائلاً على مستوى الطاقة المتجددة، وذلك بفضل استراتيجية دقيقة، مكنت من إنجاز مشاريع ضخمة، تطلبت استثمارات هائلة.
ومما حصدته المملكة، نتيجة لسياساتها في مجال الطاقة المتجددة، جاء تصنيفها في المركز الأول بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر "المستقبل الأخضر" الذي تصدره منصة "إم أي تي تكنولوجي ريفيو" والذي يصنف 76 بلدا وإقليما وفقا للتقدم على درب مستقبل أخضر من خلال تقليص انبعاثات الكربون وتطوير طاقة نظيفة و الابتكار في القطاعات الخضراء.
موارد طبيعية
ومنذ العام 2009، أطلقت المملكة استراتيجية طموحة لتطوير الطاقة المتجددة، وتعزيز النجاعة بقطاع الطاقة، معتمدة في ذلك على موارها الطبيعية، خاصة مناخها المشمس، وبالضبط في الأقاليم الجنوبية.
ونجحت المملكة في توظيف مناخها المتنوع، وأيضاً موقعها الجغرافي المتميز في رفع حصتها من توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة إلى 37 في المئة.
وتمثل هذه النسبة أكثر من ثلث الاستخدام المحلي من الكهرباء، أي أن البلاد تنتج حاليا أكثر من 4000 ميجاوات من طاقات الرياح والشمس، مما يجعله من الدول المتقدمة في هذا المجال على الصعيدين القاري و الدولي.
وللملكة مدينة مُشمسة، ففي الجنوب، وبالضبط في مدينة ورززات، تم إنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، وهُنا نتحدث عن محطة نور التي تنتج 580 ميجاوات وتوفر الكهرباء النظيفة لأكثر من مليون منزل.
هذه المحطة التي يُحتذى بها على الصعيد العالمي، تم إنشاؤها بتكلفة تناهز الملياري دولار، إذ تعمل على توليد الطاقة الكهربائية عبر اعتماد تكنولوجيا تقوم على مرايا خاصة لتركيز ضوء الشمس وتحويله إلى حرارة لتشغيل التوربينات البخارية لتوليد الكهرباء.
وليست محطة نور المتمركزة بمدينة ورزازات في جنوب المملكة، المحطة الوحيدة التي تملكها المملكة المغربية، إذ تتوفر البلاد على محطات أخرى لتوليد الطاقة الشمسية ومحطات لتوليد الطاقة الكهرومائية والريحية.
انتظارات ورهانات
وشدد محمد بن عبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، على أن المغرب يعتمد في جزئه الكبير على الوقود الأحفوري في إنتاج طاقته الكبيرة بينما تمثل مساهمة الطاقات المتجددة في 37% تنتج كلها انطلاقا من الكتلة الحيوية والنفايات ومن الطاقة الشمسية والريحية والطاقة الكهرومائية.
وفي هذا الصدد، أمام المملكة مجموعة من الانتظارات والرهانات، إذ من المنتظر، يورد المتحدث، أن تصل الطاقة المتجددة في المزيج الطاقي بـ 52 في المئة في أفق عام 2030.
وأوضح المتحدث، أن هذا رهان يشتغل عليه المغرب بقوة لتحقيق السيادة بقطاع الطاقة، وذلك عبر التوجه نحو الطاقة المتجددة وبالتالي تحقيق السيادة في "الطاقة المستدامة" وتفعيل أهداف التنمية المستدامة.
كما أن خفض الاستهلاك للطاقة، واحد من الاستراتيجيات التي تنهجها المملكة في هذا الصدد، إذ تطمح لخفض استهلاك الطاقة بحوالي 20 في المائة في أفق 2030.
ولن يتأتى ذلك، يوضح بن عبو، إلا عبر تعزيز التعاون الجهوي الطاقي كركيزة أساسية من أجل جلب الاستثمارات ونقل التكنولوجيا وتقوية القدرات لتحقيق أمن الطاقة.
وطرح في هذا الصدد، مثالا على محطة تحلية مياه البحر شتوكة ايت باها وسط البلاد، التي انطلقت أشغالها بتزويد مليون و600 ألف نسمة بالماء الصالح للشرب حيث تدخل في إطار برنامج مندمج لتدعيم جميع محطات تحلية المياه المبرمجة بوحدات إنتاج الطاقات المتجددة قصد تمكينها من الاستقلالية والاقتصاد في الطاقة.
وتأتي هذه المحطة، على غرار حظيرة الطاقة الريحية في مدينة الداخلة وصولا الى استكشاف مصادر جديدة للطاقة من قبيل تحويل الطاقة للنفايات للكتلة الحيوية للمدن الكبرى، إلى جانب الاستثمار في المجالات البحرية سواء تعلق الأمر بتحلية ماء البحر أو بالطاقات المتجددة عبر استغلال مولدات طاقة الرياح وطاقة التيارات البحرية.
ملتقى طاقي
وتحتضن المملكة المغربية، غدا الإثنين الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الطاقة، تحت شعار "الانتقال الطاقي: حصيلة مرحلية، وآفاق عام 2035".
المؤتمر الذي تحتضنه العاصمة الرباط تنظمه فيدرالية الطاقة، بشراكة مع وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في المغرب.
ويجمع المؤتمر مجموعة من الفاعلين بمجال الطاقة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
وتحل دولة الإمارات العربية المتحدة كضيف شرف على الدورة الخامسة عشرة للملتقى، إذ تُشارك بوفد رفيع، يرأسه الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي.
ومن المنتظر أن يلقي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، كلمة باسم دولة الإمارات خلال فعاليات دورة هذا العام لمؤتمر الطاقة بالمملكة المغربية.
وعلى غرار دوراته السابقة، تطرح الدورة الخامسة عشرة للمؤتمر جملة من إشكاليات قطاع الطاقة التي تواجه العالم اليوم، كما سيبحث المشاركون فيه سبل تعزيز بدائل الطاقة النظيفة والمستدامة.
ونُظمت آخر دورة للمؤتمر عام 2018، إذ اختير لها شعار: "الانتقال الطاقي: أي استراتيجية إقليمية في أفق 2050؟".
وتنعقد دورة هذا العام في سياق دولي يكثر فيه الطلب على الطاقات المتجددة، أما على المستوى المحلي فتواصل المملكة المغربية شق طريقها لريادة عالم الطاقات المتجددة.