الإدارة الأمريكية تتجه إلى نقل رسائل تطمينات أولية للسلطة الفلسطينية مفادها أنها لن تسمح بقيام إسرائيل بأي إجراء من جانب واحد
تتطلب الواقعية السياسية أن يعيد الجانب الفلسطيني حساباته وتقييماته؛ ليس في رفض أو قبول التعامل مع الإدارة الأمريكية بعد الإعلان عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط، خصوصا أن الاتصالات الأمنية والاستخباراتية قائمة بين الإدارة الأمريكية والسلطة الفلسطينية، وهو ما اتضح من الزيارة السرية لرئيسة وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي آيه"، جينا هاسبل، إلى مدينة رام الله، حيث التقت بمسؤولين فلسطينيين من ضمنهم رئيس المخابرات ماجد فرج، ووزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، وخلال اللقاء تم تبليغها - وفقا لمصادر فلسطينية - بتهديدات السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل احتجاجا على خطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط.
إن اشتباك الجانب الفلسطيني على المستوى الدبلوماسي والسياسي مع الإدارة الأمريكية هو الأهم، والذي يجب أن يحظى بالتركيز الإسرائيلي سواء باستمرار قنوات التواصل والتفاعل أياً كان مستواها سياسياً أو أمنياً أو استخباراتياً
ومن الواضح اتجاه الإدارة الأمريكية إلى نقل رسائل تطميينات أولية للسلطة الفلسطينية مفادها أنها لن تسمح بقيام الحكومة الإسرائيلية بأي إجراء من جانب واحد، أو السماح بتنفيذ المخطط الإسرائيلي بشرعنة المستوطنات، أو ضم الأغوار، وأن هذه التهديدات ستبقى في إطارها، ومن الواضح أيضا أن الإدارة الأمريكية تسعى لتنشيط التعاون الاستخباراتي بين رام الله وواشنطن، وهو ما ستستفيد منه إسرائيل بصورة مباشرة، خصوصا أن قنوات التواصل الاستخباراتي أيضا بين رام الله وتل أبيب لم تتوقف، ومن المرجح أن تكون زيارة رئيسة وكالة الاستخبارات المركزية هدفها الرئيسي التحذير من مغبة الإقدام على إجراءات فلسطينية أيضا من جانب واحد، ما قد يؤدي لنتائج سلبية، خصوصا في ملف لجان الارتباط المشترك وفقا لاتفاقية أوسلو، وليس من المستبعد أن تعجل زيارة المسؤولة الأمريكية بتحويل 100 مليون دولار من المساعدات التي وافق عليها الكونجرس لنقلها إلى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، كإجراء أولي ومهم لبناء الثقة بين الإدارة الأمريكية والسلطة الفلسطينية مجددا، وهو الأمر الذي قد يدفع إلى إمكانية عقد لقاءات تمهيدية على المستوى السياسي بعد نجاحها على المستوى الأمني والاستخباراتي، ومن المرجح أن تكون هناك لقاءات أمنية وسياسية مشتركة بين المسؤولين الفلسطنيين والأمريكيين تمهيدا لعقد لقاء مشترك مع الجانب الإسرائيلي لتأكيد ما تم الاتفاق بشأنه أمريكيا وفلسطينيا.
هذه التطورات وغيرها من الاتصالات غير المعلنة، التي تجري وراء ستار - وأيا كانت أهدافها - تشير إلى واقعية سياسية حقيقية يمكن الانطلاق منها إلى عدم التعجل برفض الخطة، والانخراط مجددا في مناقشتها والتعرف على ما فيها من نقاط قد تكون مدخلا لحوارات فلسطينية إسرائيلية أمريكية غير رسمية، وهو الأمر الذي سيؤكد ضرورة الخروج بالقضية الفلسطينية من دائرتها المفرغة إلى دائرة أوسع من النقاشات والحوارات المجدية مع التقدير بالاستمرار في نهج المواجهة في الأمم المتحدة - وسواء مضت المسارات الفلسطينية إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة - خصوصا أن الرئيس محمود عباس سيتجه خلال الأيام المقبلة إلى واشنطن لنقل القضية الفلسطينية للواجهة الدولية مرة أخرى، ومن المتوقع أن يستمر التجاذب والتباين في المواقف المختلفة.
يتطلب منهج الرشادة السياسية تمسك الجانب الفلسطيني بثوابته، ولا أحد يطلب من الجانب الفلسطيني تقديم تنازلات للولايات المتحدة أو إسرائيل، وإنما ضرورة بلورة موقف فلسطيني عربي موحد والانتقال من المعطيات الثابتة لتبني استراتيجية تكتيكية إقليمية ودولية والعمل على تحقيق وجود دولي للقضية الفلسطينية في كل أبعادها مع استمرار كل قنوات التواصل مع كل الأطراف المعنية، والتركيز على الأطر العامة؛ ومنها المطالبة بتجديد التأكيد على الحقوق الفلسطينية عبر سلسلة القرارات الدولية الكبيرة، خصوصا القرار 242 و338 و181 و193 و194، وغيرها من القرارات التاريخية التي تعتني بالتأكيد على الحقوق الفلسطينية المركزية، والعمل على توسيع نطاق التفاوض بتبني العودة لإحياء الرباعية الدولية، وعدم الإبقاء على الإدارة الأمريكية في دائرة التفاوض بمفردها.
إن اشتباك الجانب الفلسطيني على المستوى الدبلوماسي والسياسي مع الإدارة الأمريكية هو الأهم والذي يجب أن يحظى بالتركيز الإسرائيلي؛ سواء باستمرار قنوات التواصل والتفاعل أيا كان مستواها سياسيا أو أمنيا أو استخباراتيا، وهو ما سيعطي الفرصة للتأكيد على أن الطرف الرئيسي في الخطة الأمريكية لديه رؤية وتصورات حتى مع الرفض الفلسطيني الراهن للصفقة بكل ما فيها.
يتطلب الأمر فلسطينيا ضرورة العمل على كل المحاور والاتجاهات السياسية والاستراتيجية، وهو ما يمكن أن يكسب السلطة الفلسطينية كثيرا من المزايا ويربط الموقفين الإسرائيلي والأمريكي بمنظومة محددة من الطرح وفي حدوده القصوى..
ما زال الفلسطينيون يملكون فرصا حقيقية وأوراقا ضاغطة وإمكانات كبيرة في التحرك، وعدم البقاء في دائرة الرفض المتكرر الذي سبق أن طرح في مينا هاوس وتتالى في مراحل أخرى، خصوصا في حقبة التسعينيات، كما نستطيع كدول عربية معا وسلطة فلسطينية مسؤولة أن نتفاعل وأن ننقل رسالة بوجود استراتيجية بديلة وتحركات مقابلة وأفكار واقعية، وعلى أرضية حقيقية من المصالح الفلسطينية ودون الإقدام على تنازلات جديدة، هل وصلت الرسالة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة