الإنسان قبل الأرباح.. فلسفة البابا فرنسيس الاقتصادية

قال تقرير نشرته مجلة «تايم» الأمريكية إن وفاة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان لم تمثل فقط خسارة قائد ديني، بل فقد العالم بوصلة أخلاقية.
وبحسب التقرير، فالبابا الراحل لم يكن مجرد رأس الكنيسة الكاثوليكية، بل كان مدافعًا عالميًا عن الفقراء، وناصحًا شجاعًا، وإنسانًا بسيطًا أعاد تعريف معنى القيادة الحقيقية في عصرنا. ولم يكن يعظ من على المنابر فقط، بل عاش وسط الناس، خصوصًا المهمّشين والمنسيين.
وكان البابا الراحل لديه رؤية اقتصادية عميقة. وكان يدرك ما لا يدركه كثير من القادة، وهو أن "الاقتصاد ليس مجرد نظام تقني، بل انعكاس لقيمنا. وإذا كانت قيمنا فاسدة -إذا قدسنا المال أكثر من الإنسان- فإن النظام كله سيتصدع".
وأضاف التقرير أن البابا فرنسيس لم يكن ضد الرأسمالية، بل آمن بها -لكن ليس بتلك التي تستغل وتستنزف وتتخلى عن الضعفاء. لقد دعا إلى ما سماه "الرأسمالية الطيبة"، والمقصود به اقتصاد يخدم الجميع، لا يستبعد أحدًا، يمنح الفرص بدلاً من أن يغلق الأبواب.
وقال التقرير ان البابا الراحل كان يؤمن بأن الفقر لا يتعلق فقط بالمال، بل بانعدام الفرص، بانعدام الأمل، بأنظمة لم تُصمَّم أصلًا لتشمل الجميع، لكنها قادرة على أن تفعل ذلك إذا أردنا. وقال: "لا أحد يمكنه أن يبقى غير مبالٍ تجاه عدم المساواة في العالم". وعندما صرّح بأن "الاقتصاد الذي يستبعد الآخرين يقتل"، لم يكن يبالغ، بل كان صادقًا تمامًا.
السر في الاسم
واختياره لاسم "فرنسيس" لم يكن عبثًا، بل تيمُّنًا بالقديس فرنسيس الأسيزي، شفيع الفقراء. إذ عاش بتواضع، ورفض السكن في القصر البابوي، وقاد سيارة بسيطة، وغسل أقدام السجناء. ولم تكن هذه استعراضات، بل كانت تعبيرًا نقيًا عن إيمانه العميق. كانت رسالة صامتة ضد الجشع والكبرياء المنتشرين في حياتنا العامة.
وقال البابا ذات مرة: "يجب على الأغنياء أن يساعدوا الفقراء، ويحترموهم، ويرفعوا من شأنهم."
وينمو الاقتصاد ليس فقط بالأرقام، بل بالعدالة والاستقرار.
وكان البابا فرنسيس يفهم هذا جيدًا. كان يرى أن الاقتصاد ليس مسألة رياضيات، بل مسألة أخلاق. وأن إصلاحه يبدأ من القلوب، لا من خزائن البنوك أو غرف الاجتماعات. وأن الرأسمالية، حين تُمارس بشكل عادل، يمكن أن تكون من أعظم أدوات الخير في تاريخ البشرية.
والآن، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج العالم إلى أن يُثبت أن هذا النوع من الرأسمالية ممكن -وأن البابا فرنسيس لم يزرع حلمًا مستحيلاً، بل طريقًا قابلًا للتحقق.