الخميس المقبل، تستقبل مملكة البحرين لأربعة أيام، ضيوف فعاليات ملتقى البحرين، تحت عنوان "حوار الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني".
في مقدم الضيوف الكبار رفيعي القدْر يأتي البابا فرنسيس، رأس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في مسيرة نحو تعزيز ثقافة الحوار والتعايش، وفي وقت تحتاج فيه البشرية إلى ما يشبه المُعجزات لاستنقاذها من وهدة الصراع الماضية فيه قُدُما، وحيث الضبابية تسود العالم، وما من أحد قادر على قراءة مستقبل الأيام.
ولعل من مصادفات القدَر وتدابير السماء، أن يحمل عنوان الملتقى ما يفيد بأن الشرق والغرب باتا في خطر داهم، وأن العيش الإنساني على كوكب الأرض أضحى مهددا وبقوة، سيما من جراء التوقعات بنشوب حرب عالمية ثالثة.
تُخيم نُذُر الحروب دوما فوق سماوات البشرية حين ينعدم الحوار، وتتكسر جسور الوصل المشترك بين بني البشر، وبنوع خاص عندما تسود نزعات العنف، عطفا على اتخاذ الأديان كمنطلقات للفراق وليس الاتفاق.
يأتي ملتقى البحرين للتعايش الإنساني ليذكّر العالم بأنه من أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي فبراير/شباط 2019، انطلقت دعوة للأخوة الإنسانية، هدفها إعادة الكرامة للإنسانية برمتها، شرقا وغربا.. من أجل عيشٍ طيّبٍ هانئ في أجواء يسودها السلام ويفارقها الخصام.
حضور البابا والإمام هو تأكيد لنجاعة هذه الفكرة المحورية والمركزية، فكرة الطريق الواحد للخليقة، مهما تعددت الأعراق، أو اختلفت المعتقدات الإيمانية، وعلى قدر التنوع اللساني والوجداني.
تجذير التعايش المشترك أمر يعني المزيد من السلام على الأرض، والسلام هو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو بالدرجة الأولى خاصَّة من خواصّ المولى عز وجل، قبل أن يكون من مجال مهماتنا نحن البشر.. فيما يبقى تاريخ البشرية موسوما بالعنف والانقسامات وهدر الدماء، ولهذا يتوق البشر إلى رباطات أخوية تنزع عنهم صفاتِ الوحشية والبربرية، وتعود بهم إلى دفء الأخوة الإنسانية الواحد، في التعدد والتنوع.
حين صدرت وثيقة الأخوة الإنسانية قبل أربعة أعوام إلا قليلا، كانت تطرح في معناها ومبناها رؤية للتعايش عِوضا عن التناحر، وقد حملت في رحمها أجنّة السلام العالمي المنشود، وبخاصة في ضوء حقيقة مؤكدة، وهي أن الحرب لا تستطيع بتاتًا أن تكون وسيلة ناجعة لحل المشكلات التي تنشب بين الأمم، والسبب الواضح هو أنها تؤذي كل الأطراف، وتؤدي إلى نشوء صراعات جديدة أكثر تعقيدا، الحرب دائما هي "خسارة للبشرية".
لم يعد الصراع اليوم، ومن أسف شديد، مواجهة بين الشرق والغرب فحسب، بل بين الجهة الجغرافية والديموغرافية الواحدة، وإنْ دلّ ذلك على شيء، فإنما يدل على غياب روح الأخوة الإنسانية عن وجه الأرض، وعلى غير المصدِّق أن يولي وجهه شطر الجزء الشرقي من العالم، حيث سيجد في قلب الكيانات الأرثوذكسية، صراعا قد يتحول حربًا نووية، وإذا ما عدل المرء اتجاهه نحو المحور الاستراتيجي الغربي، فغالبا سيجد صراعا في الداخل الأمريكي، يتوقع له الجميع الانفجار على عتبات انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في 8 نوفمبر/تشرين الثاني القادم لا محالة.
هل هو فيروس الكراهية بات يضرب الإنسانية وبما يتجاوز المحاصصات الطائفية والإيمانية؟
لا سلام ولا وئام دون تعايش، وما من تعايُش إلا عبر الحوار الاجتماعي الحقيقي، ذاك الذي يفترض القدرة على احترام وجهة نظر الآخر، وقبول احتمال احتوائها بعض المعتقدات أو المصالح المشروعة، فلدى الآخر -انطلاقا من هُويته- شيءٌ يُسهم به، ومن المستحب أن يعمّق موقفه ويفصح عنه، بحيث يزداد الحوار المفتوح اكتمالا.
طريق التعايش الإنساني والحوار بين الشرق والغرب لا بد وأن يمرَّ بحالة التسامح والصفح، وبأجواء التسامي عن الثأر والعنف الذي دفعت ثمنه دولٌ وجماعات بشرية تكلّست وتحجَّرت عند ذهنية بعينها.
جاء في وثيقة "الأخوة الإنسانية" أن "التاريخ يؤكد أن التطرف الديني والقومي والتعصب قد أثمر في العالم، سواء في الغرب أو الشرق، ما يمكن أن نطلق عليه بوادر حرب عالمية ثالثة على أجزاء، بدأت تكشف عن وجهها القبيح في كثير من الأماكن، وعن أوضاع مأساوية لا يُعرف على وجه الدقة عدد مَن خلّفتهم".
هل كان لدى صناع الوثيقة في دولة الإمارات عيون "زرقاء اليمامة" ليستشرفوا وضع الإنسانية هذه الأيام، حيث الحشود العسكرية تتزايد، والأصابع تكاد تقترب من مفاتيح الصواريخ النووية؟
لم تكن الحرب الأوكرانية قائمة وقت أن كرّس البابا والإمام جهودهما، وعبر رعاية دولة الإمارات، للخروج على العالم بـ"مانيفستو" جديد للتعايش عُرف باسم "وثيقة الأخوة الإنسانية"، ومن هنا يأمل المرء أن يكون لقاء البحرين إعادة لتأكيد أهمية لقاء البشرية في المساحة الهائلة المشتركة للقيم الروحية والإنسانية والاجتماعية، ولنزع فتيل الموت المحمول برًّا وبحرًا وجوًّا في حاضرات أيامنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة