الإمارات في دعوتها لبابا الفاتيكان تأخذ خطوة متقدمة في مفهوم الحوار بين الأديان وتقدم خدمة للإسلام الوسطي الحقيقي.
من المقرر أن يزور بابا الفاتيكان دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر فبراير/شباط المقبل، وهي -باعتقادي- أول زيارة لشخصية مسيحية رفيعة لمنطقة الخليج ولدولة عربية الغالبية من سكانها من المسلمين.
كثيراً ما نسمع عن الحوار بين أصحاب الأديان في العالم في منطقتنا، وهناك دول لها جهود واضحة في هذا الموضوع، والمملكة العربية السعودية من أوائل هذه الدول الراعية لمثل هذه النشاطات، وقد أنشأت مركز الملك عبدالله لأتباع الديانات ومقره في العاصمة النمساوية (فيينا)، وعقد مؤتمرات وندوات لأصحاب الديانات والثقافة المختلفة، إسلامية ومسيحية ويهودية، وفي ظني أن هذه الجهود هي في المقام الأول تخدم الدين الإسلامي والمسلمين، خاصة أننا نعيش في مرحلة تم فيها ربط الدين الإسلامي بالإرهاب، وللأسف هناك قلة من المسلمين يستغلون الإسلام لترويج أفكارهم السياسية ممتطين الدين الإسلامي، وهناك كثير من أبناء مجتمعاتنا ممن يصدقون مثل هذه الدعوات الكاذبة، ولو فكّرنا للحظة لتبين لنا أن أكثر ضحايا هذه المجموعات الإرهابية الإسلاموية -وهم بالآلاف- من أبناء المسلمين، وإذا نظرنا إلى داعش والقاعدة وحزب الشيطان في لبنان والحوثي في اليمن، لوجدنا أن أهدافهم واضحة وسياسية بحتة، والدماء المسكوبة في مشاريعهم التخريبية عربية–إسلامية بامتياز.
مثل هذا الخطاب الواقعي هو ما نحتاجه في عالمنا العربي المحتقن ضد التهييج الطائفي فيما بيننا ومع الأديان الأخرى، ولا يعتقد البعض أن زيارة هذه الشخصية المسيحية أو اليهودية أو الهندوسية سينصر أبناء الخليج العربي المسلمين، ولكن هذا في المقام الأول سيخدم الإسلام ويقدمه إذا كنّا جادين بأنه دين يقبل الآخر المختلف
الإمارات في دعوتها لبابا الفاتيكان تأخذ خطوة متقدمة في مفهوم الحوار بين الأديان، وتقدم خدمة للإسلام الوسطي الحقيقي، لقد أطلقت الإمارات على هذا العام عام التسامح، وشرّعت كثيرا من القوانين التي تجرّم الكراهية بأشكالها كافة، وسمحت بحق ممارسة العبادة لكل مختلف ديني على أراضيها، وقال نائب رئيس دولة الإمارات حاكم إمارة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على تويتر: «يسعدنا في دولة الإمارات الترحيب بزيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، الذي يعد رمزاً عالمياً من رموز السلام والتسامح وتعزيز روابط الأخوة الإنسانية. نتطلع إلى زيارة تاريخية، ننشد عبرها تعظيم فرص الحوار والتعايش السلمي بين الشعوب.. ازدهار السلام غاية تتحقق بالتآلف وتقبل اﻵخر».
مثل هذا الخطاب الواقعي هو ما نحتاجه في عالمنا العربي المحتقن ضد التهييج الطائفي فيما بيننا ومع الأديان الأخرى، ولا يعتقد البعض أن زيارة هذه الشخصية المسيحية أو اليهودية أو الهندوسية سينصر أبناء الخليج العربي المسلمين، ولكن هذا في المقام الأول سيخدم الإسلام ويقدمه إذا كنّا جادين بأنه دين يقبل الآخر المختلف.
بعض المفكرين والصحف الغربية وبعض الأحزاب ذات النزعة الشعبوية تطرح أخيراً في خطابها: لماذا مثلاً نسمح للمسلمين ببناء مساجدهم ونعطيهم حق العبادة بكل حرية وهم لا يعاملوننا بالمثل؟ بعض المدن الغربية ومنها مدينة نيويورك مثلاً بدأت من سنوات قريبة بتعطيل المدارس في المناسبات الدينية الإسلامية كعيد الفطر وعيد الأضحى، البعض قد يرى أن المقارنة ظالمة بين الممارسات الرسمية من قبل دولنا ودول الغرب، إذ إن الأخيرة دول علمانية تكفل حق التعبير والعبادة للجميع والدولة محايدة في هذا الشأن.
على النخب العربية في الخليج الترحيب بمثل هذا التواصل الواقعي المتجسد بمثل هذه الخطوة واسترداد ديننا الوسطي من أيدي المتطرفين والمتشددين، كثير منا يردد خطاباً إسلامياً كله يجسد روح التسامح من سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم وعلاقته باليهود والنصارى، ويستشهدون بالآيات القرآنية الكريمة الحاثة على التسامح: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، ولكن على أرض الواقع نجد عكس ذلك من العلاقة مع المختلف وحقه بالعبادة وممارستها بحرية تامة.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة