بعد فشل وسقوط جميع الذرائع والمزاعم والمحاولات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين، المعروفة سودانيًا بـ(الكيزان)، التي أشعلت وتدير الحرب السودانية الراهنة بتحالفها مع قيادة الجيش السوداني، لإدانة دولة الإمارات العربية الشقيقة بتُهَمٍ جُزافية مُفبركة.
كان آخرها تلك الدعوى الهزيلة التي قدّمها ممثلو الجيش إلى محكمة العدل الدولية التي جاءت نتيجتها برفض الدعوى، وشطبها، بل إزالتها من السجل العام للمحكمة، وكأنها لم تكن، في مشهد يليق بها، وسط سُخريةٍ عارمة من حالة التردّي التي أوصلتنا إليها هذه الثلّة الآثمة من جماعة الإخوان المسلمين التي تتولّى قيادة جوقة الضباط الانقلابيين.
فشلُ تلك المحاولة الإلهائية، التي صُنعت خصيصًا لتُشتّت الانتباه، والتي لم تكن إلا محاولةً رخيصةً ومضلِّلةً لصرف أنظار السودانيين المنهكين من ويلات الحرب، والمحاصرين بجحيمها، عن معاناتهم الحقيقية، عبر خلق عدوٍّ متوهَّم، واختلاق شماعةٍ خارجية تُعلّق عليها أسبابُ الفشل؛ كلّ ذلك أفقدهم رُشدهم وبوصلتَهم، فقرّروا محاكمةَ دولة الإمارات مرة أخرى، بذات صحيفة الاتهامات التي شطبتها وطوتها أعلى وأرفعُ منصةٍ قضائيةٍ مهنيةٍ في هذا العالم: محكمةُ العدل الدولية. وقد قيل قديمًا: من جرّبَ المجرَّب، حاقت به الندامة!
وها هم، بعدما أُخرجوا من باب المحكمة، يحاولون العودة من النافذة، بترديد ذات الاتهامات الفطيرة، عبر كيانٍ "كيزانيٍّ" لقيط يُسمّى (مجلس الأمن والدفاع)، وهو ذراعٌ إخوانيةٌ متغلغلة في قيادة الجيش والأجهزة الأمنية والاستخبارية. وقد أصدر ذلك المجلس بيانًا لا يقلُّ ضعفًا عن مرافعتهم في محكمة العدل الدولية، مما ضاعف جرعة السخرية منهم وعليهم.
لا تشعر سلطة العسكر/الإخوان القائمة في بورتسودان بأي قدرٍ من الخجل وهي تتحدّث في بيانها عن الشرعية والإرهاب؛ فهي، من ناحية، سلطةٌ غير شرعية لا يعترف بها حتى الاتحاد الأفريقي، الذي تنضوي تحت لوائه، بسبب قمعها لشعبها وانقلابها على الحكومة المدنية الشرعية التي يقودها الدكتور عبدالله حمدوك.
ومن ناحية أخرى، لا يحقّ لسلطةٍ ورثت نظامًا إرهابيًّا أن تتحدّث عن الإرهاب، وهي تتحالف الآن مع نظامٍ دينيٍّ يرعى الإرهاب العالمي، وتُقاتل ضمن صفوفها مليشياتٌ متطرفة إرهابية، في حربها التي أشعلتها ضدّ شعبها فجر الخامس عشر من أبريل 2023، في مسعى لإعادة النظام السابق -المصنَّف ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب- إلى السلطة من جديد.
الناظرُ في لغة بيان سلطة بورتسودان يُدرك سريعًا أن جماعة الإخوان هي التي تقف وراءه، وهي التي حرّرته وكتبته. ومثال ذلك الفقرةُ السادسة من البيان، التي جاء فيها: "يُثمّن المجلس مجاهدات الشعب السوداني وقواته المسلحة". فمفردة مثل (مجاهدات) لا يستخدمها الجيش السوداني في أدبياته إطلاقًا، بل يعتمد بدلًا منها كلماتٍ كـ"بطولات" أو غيرها من التعبيرات المشابهة أو المماثلة، لكن قطعًا ليس (مجاهدات). فهذه الكلمة، ومجمل لغة البيان، مستعارةٌ من قاموس الجماعة وأدبياتها، وهو أمر لا يخفى على القارئ العادي، فضلًا عن المحلل أو المراقب السياسي.
لقد سرّني كثيرًا، كما سرّ الشعب السوداني الحرّ برمّته، البيانُ الصادرُ أمس عن وزارة الخارجية الإماراتية بشأن ما صدر عمّا يُسمّى "مجلس الأمن والدفاع الإخواني" التابع لسلطة الأمر الواقع في بورتسودان.
إذ كان البيان تجسيدًا عمليًّا للفارق بين دولة المليشيات ودولة المؤسسات؛ حيث أكّد أن حكومة دولة الإمارات لا تعترف بما صدر عن سلطة بورتسودان، وليست معنيّة به، وأن الجهة التي أصدرته لا تمثّل الشعب السوداني، وأنه لن يمسّ العلاقات الراسخة بين البلدين والشعبين الشقيقين.
حفظ الله السودان وشعبه، وحفظ دولة الإمارات، حكومةً وشعبًا، وأدام العلاقات التاريخية الراسخة بين الشعبين الشقيقين، وحفظ قيادتها الحكيمة الرشيدة، التي لم تنجرّ يومًا، إلى الوحل والمستنقع الآسن الذي سعت جماعة الإخوان السودانية و(عسكرها) إلى جرّها إليه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة