خبير: انضمام إيطاليا إلى فرنسا في معارضة «ميركوسور» يهدد الاتفاقية برمتها
دخلت إيطاليا على خط المعارضة لاتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور، مطالبة بتأجيل توقيعها المقرر هذا الأسبوع في البرازيل، في خطوة قد تعرقل محاولة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين توقيع الاتفاق قبل نهاية العام، في ظل اعتراضات فرنسا.
وقال الخبير الاقتصادي الفرنسي فانسان فيكارد، نائب مدير مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، المتخصص لـ"العين الإخبارية"، إن الموقف الأخير لكل من فرنسا وإيطاليا تجاه اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول ميركوسور يمثل لحظة فاصلة يمكن أن تحدد مصير الاتفاقية برمتها.
وأوضح فيكارد أنه "من الناحية الاقتصادية، الاتفاقية تعد فرصة كبيرة للاتحاد الأوروبي لتوسيع أسواقه التصديرية إلى أمريكا الجنوبية، خصوصا في قطاعات السيارات، والآلات الصناعية، والنبيذ والمشروبات الروحية".
وأضاف أنه "في الوقت نفسه تشكل تهديدا واضحا للقطاع الزراعي الأوروبي، وخصوصا الفرنسي والإيطالي، الذي يخضع لمعايير صارمة للسلامة الغذائية والبيئية مقارنة بدول ميركوسور".
وأشار فيكارد إلى أن الزراعة الأوروبية تواجه منافسة غير متكافئة، إذ قد يتم استيراد اللحوم، السكر، وفول الصويا بأسعار أقل بكثير من التكلفة الأوروبية، مما يؤدي إلى ضغط هائل على هوامش الربح للمزارعين المحليين، معتبرا أن هذا الضغط لا يتوقف عند الجانب المالي فقط، بل يمكن أن يثير تداعيات اجتماعية كبيرة، مثل تراجع العمالة في الريف وارتفاع الاستياء الشعبي، وهو ما قد يعزز حدة الاحتجاجات، كما شهدنا في الأسابيع الأخيرة في فرنسا.
التوازن بين الصناعات المختلفة
ورأى أنه رغم المخاطر الزراعية، إلا أن الاتفاقية تحمل إمكانيات كبيرة للصناعات التحويلية الأوروبية، التي يمكنها الاستفادة من تقليص الرسوم الجمركية على منتجاتها التصديرية إلى دول ميركوسور، موضحا أن هذا التباين في الفوائد الاقتصادية بين القطاعات يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يطبق الاتفاق بشكل موحد دون مراعاة الاختلافات الوطنية، وهو ما يفسر تحفظ فرنسا وإيطاليا.
التداعيات السياسية والاجتماعية
وأضاف فيكارد أن التوقيت الحالي لتوقيع الاتفاقية غير مناسب سياسيا، فالتأجيل ليس مجرد مطلب لحماية المزارعين، بل استراتيجية لتجنب الاحتكاك مع الرأي العام وموازنة المصالح الوطنية المختلفة، موضحا أن التراجع عن توقيع الاتفاقية قد يعطي فرصة لإدخال تعديلات على النصوص والآليات الوقائية، لضمان حماية أفضل للقطاع الزراعي والمنتجات الحساسة، مثل فرض حصص واستثناءات أو آليات مراقبة للمنتجات المستوردة.
السيناريوهات المتوقعة
أما عن السيناريوهات المتوقعة للاتفاقية، فقد رسم الخبير الاقتصادي الفرنسي ثلاثة سيناريوهات محتملة للاتفاقية، الأول هو التوصل إلى توافق داخلي بين دول الاتحاد الأوروبي يسمح بتوقيع الاتفاقية بعد إدخال تعديلات على الآليات الوقائية وحماية القطاعات الزراعية، أما السيناريو الثاني فهو استمرار فرنسا وإيطاليا في التحفظ، مما يؤدي إلى تأجيل طويل أو حتى تعليق الاتفاقية، وهو ما قد يثير إحباطا لدى شركاء ميركوسور، والثالث محاولة الاتحاد الأوروبي فرض التوقيع دون توافق واسع، وهو ما قد يفاقم الاحتجاجات ويضعف الثقة في قدرة الاتحاد على التوازن بين مصالح أعضائه المختلفة.
روما تعتبر التوقيع مبكرا
اعتبرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن توقيع الاتفاق في الأيام المقبلة مبكر، مؤكدة أن بلادها تريد أولا ضمانات كافية للقطاع الزراعي، مشيرة إلى أنها مقتنعة بأن جميع هذه الشروط ستكون متوافرة في بداية العام المقبل.
وتأتي هذه المطالب الإيطالية لتشكل صدمة للمفوضية الأوروبية، التي كررت خلال الأيام الماضية أن توقيع الاتفاق قبل نهاية العام ضروري للحفاظ على مصداقية الاتحاد الأوروبي وعدم إحراج الشركاء في أمريكا اللاتينية.
وأوضح أولوف جيل، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، أن قادة الدول الأعضاء سيناقشون الأمر خلال قمة بروكسل المقررة الخميس.
ضغط البرازيل وتكتل المعارضة الأوروبي
في البرازيل، كان الرئيس لولا دا سيلفا يأمل قبل تصريح ميلوني في خبر سار، داعيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية إلى تحمل مسؤولياتهم لضمان التوقيع.
لكن موقف روما قد يكون حاسما، إذ يمكن لإيطاليا، إلى جانب فرنسا وبولندا والمجر، تشكيل أقلية معرقلة تمنع اعتماد الاتفاقية خلال الأسبوع الجاري. ويقول دبلوماسي أوروبي إن الوضع قد يكون ساخنا جدا، خاصة في ظل إصرار ألمانيا وإسبانيا على المصادقة سريعا.
وأكد لولا دا سيلفا أن البرازيل لن توقع الاتفاقية طالما أنا رئيس، مضيفا أن توقيعها هذا الأسبوع كان ضروريا من وجهة نظره.
فرنسا ليست وحدها
أوضحت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية مود بريجون أن تصريحات ميلوني تثبت أن فرنسا ليست وحدها في موقفها الرافض للتوقيع السريع، رغم أن باريس لم تعتبر تأجيل التوقيع أمرا محققا بعد.
وكان من المقرر أن توقع المفوضة الأوروبية الاتفاقية في قمة ميركوسور بمدينة فوز دو إجواçu، لكنها بحاجة إلى موافقة أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء في بروكسل.
أهمية الاتفاق والتحديات الزراعية
الاتفاق التجاري يشمل الأرجنتين، البرازيل، باراغواي، وأوروغواي، ويهدف إلى إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم. ويسمح بتصدير المزيد من السيارات والآلات والنبيذ والمشروبات الروحية الأوروبية إلى أمريكا اللاتينية، مع فتح الباب أمام دخول لحوم الأبقار والسكر والأرز والعسل وفول الصويا من المنطقة، مما يثير مخاوف القطاعات الزراعية الأوروبية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي إجراءات حماية، تشمل متابعة المنتجات الحساسة مثل اللحوم والدواجن والسكر، والتدخل عند اضطراب الأسواق، لكن هذه الإجراءات قد لا تكفي فرنسا، خاصة في ظل الاحتجاجات الزراعية الواسعة في البلاد ضد إدارة أزمة الجلد العقدي المعدي.
الاحتجاجات في بروكسل وستراسبورغ
تجمع المزارعون الأوروبيون الخميس في بروكسل بعد مظاهرات سابقة في مطار لييج، حيث تم اعتراض دخول منتجات خارجية، إضافة إلى تجمعات في ستراسبورغ أمام البرلمان الأوروبي، للتعبير عن رفضهم للاتفاقية.
بينما تخشى بعض الدول الأوروبية أن تحاول فرنسا تجاوز مجرد التأجيل لتعطيل الاتفاقية كليا، رغم أكثر من 25 عاما من المفاوضات. في المقابل، تعتمد ألمانيا وإسبانيا ودول شمال أوروبا على الاتفاق لإحياء الاقتصاد الأوروبي ومواجهة المنافسة الصينية والضرائب الأمريكية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز