يمني يقف وحيداً لإنقاذ صناعة الفخار.. حرب الحوثي تدمّر التراث (صور)
اقترنت صناعة الفخار في اليمن منذ أزمنة قديمة بمدينة "حيس" التاريخية، التي تقع جنوبي محافظة الحديدة (غرب)، وشيدت في القرن الرابع للميلاد.
وكانت حيس اليمنية قبل انقلاب مليشيات الحوثي الإرهابية تضم نحو 31 معملا لصناعة الفخار بما فيها أواني الطعام التي يشكلها الحرفيون بأناملهم، لكن اليوم لم يتبق منها سوى معمل وحيد يصارع من أجل البقاء في وجه معامل الخراب والهدم الحوثية.
في هذا المعمل الفخاري، يجاهد مالكه "علي عمر المدار" كآخر الحرفيين في استمرار هذه الصناعة في حيس، خشية اندثارها، ولذا يقوم بتعليم ابنه البالغ من العمر نحو 14 عاما، سر المهنة، ضماناً لاستمرارها، بعد أن هجرها أصحابها نظراً للحرب الحوثية والتهجير وتراجع الطلب والعائدات المالية الضئيلة.
وعبّر الحرفي "علي عمر المدار" عن أمله في أن تساعده الأيام على الوفاء بالعهد الذي قطعه لوالده قبل أن يرحل، "عدم ترك هذه المهنة"، وهي الوصية التي حافظ على بقائها، رغم أن من كانوا يعملون فيها اتجهوا إلى مهن أخرى.
يمتد عمر آخر معمل لصناعة الفخار في حيس إلى ما يقارب من 200 عام، لكن هذه المهنة تعود إلى قرون خلت، وارتبطت الأواني الفخارية بحياة اليمنيين منذ القدم، وانتقلت من "حيس" إلى "بيت الفقيه" و"زبيد" و"تعز" وحتى "صنعاء"، وكلها لا زالت بأسمائها التاريخية.
يقول المدار لـ "العين الإخبارية": إن أسرته توارثت هذه المهنة لأجيال، وعملت في مدن كثيرة منها "زبيد"، "الجراحي"، "بيت الفقيه"، لكنها استقرت في مديرية "حيس" التي اشتهرت لعقود كمركز لصناعة الفخاريات باليمن.
مراحل الصناعة وأنواعها
تبدأ هذه الصناعة التقليدية باختيار نوعية التربة، وهي الطينية، إذ أنها تحتاج إلى تربة محددة بحسب المدار، ثم يتم رشها بالمياه وتركها مدة يومين في مكان مظلل حتى لا تصلها أشعة الشمس، ثم بعد ذلك يتم خلطها جيدا أو عجنها إلى أن تصبح قابلة للتشكيل.
بعد تشكيل الإناء المحدد سواء المستخدم للشرب، أو أواني الطعام أو "غليون" التدخين والتحف الفخارية، يترك قليلا كي يجف ثم يتم إزالة النتوء والزوائد، قبل نقلها إلى مكان التجفيف تحت أشعة الشمس، مدة 13 ساعة.
عندما تنتهي الرطوبة وتصبح الأواني الفخارية جافة وصلبة، يتم نقلها إلى الفرن التقليدي الذي يتم تسخينه بالحطب عند درجة حرارة 1100 درجة مئوية.
يؤكد المدار أن زيادة أو نقص درجة الحرارة يؤدي إلى إفساد تلك المصنوعات، وتشققها، كما أن إخراجها من الفرن يحتاج إلى أن يكون الهواء غير بارد، أما في حال مصادفة هبوب تيار هوائي بارد فإن تلك الأواني تتشقق، وتصبح قابلة للكسر.
يتم طلائها بمادة تستخرج من التربة، أو من الشقوق الجبلية، وهي عبارة عن "أكاسيد" يطلق عليها محليا اسم" القطاطة" ويتم تسخينها كي تتحول إلى اللون الأصفر، أو الأخضر الفاتح، أو الأسود، لتحافظ على مظهر الإناء الجمالي.
خراب الحوثي
تأثرت هذه الصناعة الفخارية بالحرب التي شنتها مليشيات الحوثي، إذ أدت إلى تراجع الطلب من المحافظات وتعذر تنقل العاملين في هذه التجارة.
يقول المدار، إنه كان يتم الاتصال به من محافظة صنعاء لحجز كميات، خصوصا فيما يتعلق بالأواني الفخارية المستخدمة في تجهيز فتة الموز والتمر، لكن الآن مع اندلاع حرب المليشيات، توقفت تلك الطلبات، وتقلص الإنتاج بنسبة كبيرة.
وليس في حيس التاريخية فقط تراجعت هذه الحرفة التقليدية تحت تأثيرات حرب الحوثيين، حيث عصفت بعديد المعامل في أرياف تعز وصعدة والحديدة.
سمير البكري، حرفي آخر في صناعة الفخار، ذهب قبل 5 سنوات، أي بعيد الانقلاب الحوثي للعمل في البحر كصياد إثر الكساد الذي ضرب الأسواق اليمنية وتراجع وانخفاض الطلب والشراء للأواني الفخارية.
يقول البكري لـ "العين الإخبارية" إن ما دفعه للعمل كصياد، هو قلة المردودات المالية من حرفة الفخار التقليدية، نظرا لتراجع المبيعات بسبب الحرب التي فرضتها مليشيات الحوثي.
ويشير إلى أن هذه الصناعة التي تمتد لعقود زمنية مضت شهدت ازدهارا، ووصلت إلى قمتها في عهد الدولة الطاهرية، وكانت ضمن الهدايا التي يقدمها ملوك الدولة الطاهري (1451م) إلى الدولة المملوكية، لكنه يأسف أن يراها اليوم تتجه إلى المجهول.
ولا تزال صناعة الفخار باليمن تجري بطرق بدائية حيث يعتمد العاملون فيها على أياديهم في تشكيل الأواني دون أن يدخلوا أي تقنيات حديثة تحفظ ندرة هذه الحرفة التي لا تزال من أكثر الأدوات استخداما في المجتمع اليمني.
ويرى مالك معمل حيس للصناعات الفخارية "المدار" أنه من أجل الحفاظ على هذه المهنة، ينبغي تطويرها بطريقة علمية حديثة، مع التخلي عن الطرق التقليدية المكلفة والمجهدة، وذات إنتاج ضئيل.
ويشير إلى ضرورة استبدال الفرن العامل بالحطب إلى فرن كهربائي، وتوفير أجهزة قياس الحرارة، فضلا عن قوالب جاهزة لتحديد نوعية الأواني الفخارية.
كما ينبغي بحسب المدار عدم اقتصار المعمل على صناعة الأواني الفخارية، وانما يجب الانتقال إلى صناعة أحزمة أسطح الغرف، وبناء أعمدة ذات نقوش بديعة، فضلا عن تصميم نقوش توضع في المجالس وواجهات المنازل.
aXA6IDMuMTMzLjE0NS4xNyA= جزيرة ام اند امز