"مبادرة التدخل الأوروبية".. إعادة ابتكار السيادة على الطريقة الفرنسية
قوة عسكرية مشتركة لمواجهة الأزمات
ماكرون لم يفقد الأمل في استمرار التماسك الأوروبي وليس أدل على ذلك من المبادرة الفرنسية الجديدة حول قوة مشتركة خارج منظومة الاتحاد.
أحدث خروج بريطانيا المنتظر من منظومة الاتحاد الأوروبي والتي بدت منذ إنشائها على أسس معاهدة "ماستريخت" الموقعة عام 1992 الأقوى والأكثر تماسكاً، زلزالاً كبيراً لم يستوعبه التكتل الأوروبي حتى اللحظة.
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تمكنت من تجاوز العديدِ من العقبات التي كادت أن تعصفَ بمفاوضاتِ الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بعدما ضمنت تأييد البرلمانيين في التصويت ضد التعديلات التي اقترحها مجلسُ اللوردات.. ما سيسمح لحكومتِها بإدارةِ ملفِ "بريكسيت" بالكامل.
ولا يزال حلم التماسك الأوروبي يراود فرنسا التي أعلنت الإثنين تدشين قوه عسكريه مع دول أخرى من بينها بريطانيا خارج إطار الاتحاد الأوروبي؛ وسط محاولات باريس الإبقاء على لندن قرب الدفاعات الأوروبية بعد خروجها من التكتل.
وتهدف القوة التي تعرف باسم (مبادرة التدخل الأوروبية) إلى تشكيل تحالف من جيوش مستعده لمواجهة الأزمات قرب حدود أوروبا خارج إطار حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.
وتأتي الخطوة بعد أشهر من المفاوضات مع ألمانيا التي تريدها فرنسا أيضاً في محور القوة الجديدة، وهو ما يبدو منسجماً مع ما تعهدت به تريزا ماي من الحفاظ على علاقات تعاون وثيقة مع فرنسا في مجالات الأمن والدفاع بعد خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي.
أعاد فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 7 مايو/آيار 2017 الأمل للمتمسكين ببقاء التكتل الأوروبي موحداً دون انشقاقات في ظل صعود كبير لليمين وتزايد النبرة الشعبوية، رغم أن الفوز أعقب الاستفتاء البريطاني، الذي جرى في 23 يونيو/ حزيران 2016، ليعلن انتصار معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي، بعد أن صوت 51.9% لصالح الانفصال فيما صوت 48.1 لبقاء بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي.
(مبادرة التدخل الأوروبية) تأتي في خضم موجة شديدة من التحديدات تواجه أوروبا عموماً تتعلق بأزمات المهاجرين خاصة أن مناطق النزاع في الشرق الأوسط، ومع نزوع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب إلى التصرف بشكل أحادي، وهو ما بدا جلياً في إعلان واشنطن الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ والتي لاقت انتقادات شديدة من الجانب الأوروبي.
ويرى محللون أن ماكرون لم يفقد الأمل في استمرار التماسك الأوروبي وليس أدل على ذلك من المبادرة الفرنسية الجديدة والقوة المزمعة التي تعيد استقطاب بريطانيا للصف الأوروبي ولكن على الطريقة الفرنسية.
استراتيجية الدفاع المشترك
وبشأن تفاصيل القوة الجديدة أو (مبادرة التدخل الأوروبية) أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية، بحسب صحيفة (لوفيغارو) أن فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا والدنمارك وهولندا واستونيا وإسبانيا والبرتغال ستوقع خطاب نوايا.
ونقلت الصحيفة عن فلورنس بارلى، وزيرة الدفاع الفرنسية قولها: "الدفاع الأوروبي في حاجه إلى ثقافة استراتيجية مشتركة".
فكرة القوة الأوروبية خارج منظومة الاتحاد الأوروبي ليست جديدة وطرحتها فرنسا خلال خطاب للرئيس الفرنسي ماكرون في سبتمبر/أيلول، لكن الاقتراح لاقى تشكيكاً في البداية لأن الاتحاد الأوروبي وقع في ديسمبر/كانون الأول ما يشبه المقترح الفرنسي في شكل (اتفاق دفاعي يهدف إلى تطوير مشترك للقوات والأسلحة).
بدا أن ماكرون حاول تجاوز هذا الاتفاق الأوروبي الذي لن يشمل بريطانيا لأنها ستنسحب من الاتحاد الأوروبي فعلياً في نهاية مارس/أذار من العام المقبل.
دور بريطانيا في القوة ساعد على تخطي خلافات بين ألمانيا وفرنسا بشأن التدخل العسكري، حيث تقاوم ألمانيا فكره المهمات العسكرية التي تستخدم القوة؛ فيما تريد فرنسا استجابة أسرع لأزمات مثل ما حدث في مالي عام 2012 حيث تدخلت باريس للتصدي للإرهابيين.
وتريد برلين أن تكون القوة التي اقترحها ماكرون في إطار الاتفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي الذى يشمل كل الدول الأعضاء في التكتل عدا بريطانيا ومالطا والدنمارك.
أما فرنسا فتصر على أن تكون خارج إطار اتفاق الاتحاد الذى يركز أكثر على تطوير الأسلحة والعتاد.
فرنسا تستقطب بريطانيا
تسعى بريطانيا على رغم انسحابها من الاتحاد إلى إبرام معاهده أمنيه مع التكتل في غضون العام المقبل؛ في إطار حرصها على الحفاظ على إمكان الوصول إلى قواعد بيانات الاتحاد الأوروبي وعقود الأسلحة وتبادل معلومات الاستخبارات، فيما تساند الكثير من دول الاتحاد الأوروبي الفكرة.
وفي هذه الأجواء تتردد أصداء خطاب ماكرون في جامعة السوربون في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ودعوته لمبادرة "إعادة تأسيس أوروبا"، لكن طموحات الرئيس الشاب اصطدمت بالأزمة السياسية التي واجهتها ألمانيا لفترة طويلة، ونتائج الانتخابات في إيطاليا وهنغاريا، وقد فازت فيها أحزاب مشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي.
الرئيس الفرنسي، أطلق ما يشبه أقوالاً قد تكون مأثورة لاحقاً في شكل المنظومة الأوروبية القديمة أو ما يتشكل من تكتلات خارج إطار الاتحاد ومنها (مبادرة التدخل الأوروبية) بطريقة سماها ماكرون "إعادة ابتكار السيادة الأوروبية".
aXA6IDMuMTQxLjIwMi4xODcg جزيرة ام اند امز