متى يقتنع البعض بأن المبالغات ليست طريقا لإيجاد الحلول؟ ومن يرد حل مشكلة ما، فعليه أولا أن يضعها في إطارها.
البعض يعشق المبالغة، ويهوى جلد الذات، وغالبا لا يُحسن استخدام الكلمات المناسبة لوصف أمرٍ ما، أو موقف معين، ومثل هؤلاء لا يمكن اعتبار آرائهم مُنصفة؛ لأنهم يشوهون كل شيء جميل، ولو اضطروا للإشادة بإنجاز عظيم يقولون «جيد.. ولكن!»، ويبالغون في التشاؤم للدرجة التي يشعر فيها المُتلقي بأن الوضع كارثي، في حين أن الحقيقة ليست بذلك السوء!
متى يقتنع البعض بأن المبالغات ليست طريقا لإيجاد الحلول؟ ومن يرد حل مشكلة ما، فعليه أولا أن يضعها في إطارها وحجمها الحقيقي!
لا نختلف مع أحد في أننا دولة مثل بقية دول العالم، من حيث وجود الإيجابيات والأخطاء، ونحن بالتأكيد لسنا دولة ملائكية، ومجتمعنا حاله كحال بقية مجتمعات العالم، يعاني مشكلات اجتماعية، وتقع فيه جرائم مختلفة، ولدينا بعض القصور في أكثر من مكان، لكن ذلك لا يعني أبدا أننا دولة تتشابه تماما مع غيرها، ولا يعني ذلك أن ما تعانيه دول العالم أو بعضها، نعانيه هنا بالحدة ذاتها!
لذلك؛ فإن النتيجة الحتمية هي أن معالجتنا لمشكلاتنا المحلية، وطرق تناولنا لها إعلاميا لن تكون في يوم من الأيام مثلما تتصرف دول أخرى، وهذا لا يعني إطلاقا قصورا في عمل الإعلام، بقدر ما يعني تفهم هذا الإعلام طريقة التعامل مع خصوصية المجتمع والدولة!
الجريمة في الإمارات معدلاتها قليلة جدا، وهي على المستوى العالمي تُعَد مقبولة جدا، ونسبة الأمان في الإمارات من أعلى النسب على مستوى العالم، والمشكلات الخدمية في الإمارات هي مشكلات تكميلية وليست أساسية؛ إذ إنها تنحصر في كيفية تطويرها إلى الأحسن، بخلاف الكثير من الدول التي تنعدم الخدمات فيها أصلا. كما أن معدلات الفساد منخفضة جدا، والرقابة الحكومية تلعب دورا وتأثيرا إيجابيين، لذلك من الطبيعي جدا أن تقل الشكاوى، ومعها يقل النقد الإعلامي بشكل ملحوظ، أو على أقل تقدير لن يكون حادا كحدة النقد الإعلامي في بلد تنقصه الخدمات، ويستشري فيه الفساد، لذا من غير المنطقي أن يطلب البعض من الإعلام رفع مستوى النقد، أو كما يقولون «سقف الحرية»، ليصبح شبيها بالدولة الفلانية، لسبب بسيط هو أن ظروفنا مختلفة، ومن الطبيعي أن نتصرف حسبما تقتضي المصلحة بـ«حرية مقننة»، ولا عيب في ذلك.
الحرية الإعلامية ليست حدة في الكلمات، وليست تشويها وتشهيرا ومبالغات وصفية وكلامية، لا يمكن اعتبار ذلك هو السقف المطلوب، بل الحرية والسقف المطلوبان هما إلقاء الضوء على أوجه القصور لإكمالها، والعمل معا لتطوير خدماتنا، وتحسين مجتمعنا، والمحافظة على إنجازاتنا ومكتسباتنا التي ألهمت صحافة العالم، لمطالبة حكوماتها بالاقتداء بنموذج الإمارات، واللحاق بإنجازاتها، فهل مطلوب من الصحافة جلد الذات، والتركيز على ذلك فقط؟ وهل مطلوب منها تغافل الإنجازات والتغاضي عنها، لأن الإشادة بالإنجاز هي «نفاق اجتماعي» كما يراه أولئك؟!
لدينا قصور، ولدينا ضعف في أماكن واضحة ومعروفة، لكن ذلك القصور ليس كارثيا، ولدينا مشكلة إعلامية في مخاطبة الآخرين خارج الدولة، وتواجهنا مشكلات خارجية وحملات شرسة وموجّهة ومسمومة، وتحيط بنا ظروفٌ وتحديات صعبة وخطيرة، فهل يدرك البعض أن الحرية الإعلامية وسقفها محكومان ومرهونان بظروف وقتية؟ وهذا شيء طبيعي للغاية، تمارسه حتى الدول العظمى، التي تعتبر نفسها آلهة للحريات، والتعبير عن الرأي!
متى يقتنع البعض بأن المبالغات ليست طريقا لإيجاد الحلول؟ ومن يرد حل مشكلة ما، فعليه أولا أن يضعها في إطارها وحجمها الحقيقي!
نقلا عن "الإمارات اليوم"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة