أقدم آثار مصر ترى النور.. عرض لقطع عمرها 700 ألف عام بالمتحف الكبير

لا يعرف كثيرون أن الآثار المصرية لا تقتصر فقط على الكنوز الفرعونية المعروفة، بل تشمل أيضًا آثارا نادرة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
هذه القطع، التي ظلت لسنوات داخل القاعة 55 بمتحف التحرير، كانت بعيدة عن الأضواء ولم تحظ بالعرض الذي يليق بأهميتها العلمية والتاريخية.
اليوم، يعيد المتحف المصري الكبير تقديم هذه الكنوز في ثوب جديد، من خلال عرض مجموعة نادرة من آثار ما قبل التاريخ أي إلى ما قبل ظهور الكتابة والحضارة المنظمة، في قاعة العرض الرئيسية الأولى، بأسلوب عرض مبتكر يعكس قيمتها كمكونات أصيلة في قصة نشأة الحضارة المصرية، ويمتد عمر بعضها إلى 700 ألف عام.
ويؤكد الكاتب في علم المصريات بسام الشماع ، أن مصر لم تكن فقط موطنا للحضارة المصرية القديمة، بل سبقتها حضارات وثقافات ما قبل التأريخ، التي تُعد جذورا أولى لحضارة علمت البشرية لاحقا.
ويضيف الشماع لـ"العين الإخبارية" أن هذه العصور كانت حافلة بالنشاط البشري، رغم أن الأدلة الأثرية عليها شحيحة ومجزأة.
أقدم اكتشافات بشرية على أرض مصر
ومن بين أبرز الاكتشافات التي سيسلط العرض المتحفي الضوء عليها، ما كشف عنه عالم الآثار البولندي فالدمار خميلفسكي، في موقع يُعرف بـ"أركين 8" قرب الحدود الجنوبية لمصر بمحاذاة وادي حلفا.
وهناك، تم العثور على هياكل مدفونة يرجع تاريخها إلى نحو 100 ألف عام قبل الميلاد، وهي مبان صغيرة الحجم (2 × 1 متر)، مدعمة بألواح من الحجر الرملي المسطح، ويُعتقد أنها كانت تُستخدم كدعامات لخيام على شكل قبة مصنوعة من الجلد أو الأغصان.
ويشير الشماع إلى أن هذه المساكن، التي كانت قابلة للتفكيك والنقل بسهولة، تعكس فكرا عمليا متقدما من الإنسان المصري القديم، وهو ما يدفع بعض الباحثين إلى اعتبارها حضارة متنقلة أكثر من كونها مجرد ثقافة.
من الأشولية إلى ما قبل الإنسان الحديث
ويوضح الشماع أن من بين أقدم الاكتشافات الأثرية في مصر أدوات حجرية تنتمي إلى ما يُعرف بـالصناعة الأولدوانية، وهي إحدى أقدم تقنيات تصنيع الأدوات في العالم. وتلتها أدوات من الصناعة الأشولية، التي يعود أحدث مواقعها في مصر إلى ما بين 300 ألف إلى 400 ألف عام مضت.
ويشير الشماع إلى أن الإنسان الأشولي، نسبة إلى الصناعة الأشولية، كان يستخدم أدوات حادة كالفؤوس اليدوية، وكان يعيش قرب الأنهار، ويعتمد على الصيد وجمع الثمار.
وتُعد هذه الصناعة مرحلة متقدمة نسبيا، مقارنة بالأدوات الأولدوانية، وتُظهر قدرة واضحة على التكيف مع الظروف القاسية في العصر الحجري القديم السفلي.
ويضيف أن الأدلة الأثرية تشير إلى أن مصر كانت مأهولة بالبشر منذ أكثر من مليون سنة، وربما أكثر، وأن عصور ما قبل التاريخ في مصر تشمل صناعات متنوعة مثل، السلسيلية، الفخارية، العفية، الكُبانية، الإدفوان،الشويختانية، والإسنانية، وكلها تُعبر عن تراكم معرفي وتجريبي لدى الإنسان المصري القديم في تلك الحقب المبكرة.
خطوة نحو فهم أعمق للجذور المصرية
ويختتم الشماع تصريحه بالتأكيد على أن عرض هذه القطع في المتحف المصري الكبير يمثل قفزة معرفية وثقافية، لأنه لا يوثق فقط بدايات الإنسان على أرض مصر، بل يعيد تقديم صورة شاملة لجذور الحضارة المصرية، ويُذكر العالم بأن تاريخ مصر لم يبدأ مع الملوك والنقوش، بل مع الإنسان الأول الذي عاش، وابتكر، وترك آثارا تحكي قصة الوجود البشري منذ فجر الزمن.