حضوري أم عن بعد؟ جدل في المغرب حول آلية التعليم
اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب يطالب وزارة التربية الوطنية بتأجيل الدخول المدرسي حتى مطلع السنة المقبلة
أثار قرار وزارة التربية الوطنية في المملكة المغربية حول اتخاذ "التعليم عن بُعد" صيغة تربوية في بداية موسم 2021/2020، مع توفير تعليم حُضوري للطلاب الذين يرغب أولياء أمورهم في ذلك، جدلاً واسعاً بين المهنيين والآباء على حد سواء.
وتباينت الآراء بين مُؤيد للقرار، وآخرين رافضين له، أو مُطالبين باعتماد صيغ تربوية أخرى، في حين ذهب آخرون، بحسب تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إلى المُطالبة بتأجيل الدخول المدرسي، أما الوزارة فتشبثت بقرارها، مُعللة ذلك بكونه مبنيا على دراسة عدة سيناريوهات، وجاء نظراً للوضعية الوبائية غير المستقرة.
رفض
وفي هذا الصدد، طالب اتحاد آباء وأولياء تلاميذ مؤسسات التعليم الخاص بالمغرب الوزارة بتأجيل الدخول المدرسي حتى مطلع السنة المقبلة، وذلك تفادياً لأي تطورات وبائية مُحتملة.
ووصف محمد النحيلي، المنسق الوطني للاتحاد، قرار الوزارة بـ"الانفرادي"، موضحاً أن أغلب الأولياء عبروا عن رغبتهم في تأجيل الدخول المدرسي إلى يناير/ كانون الثاني المقبل، وهو الشيء الذي لم تستمع له الوزارة، على حد قوله.
ووصف في تصريح لـ"العين الإخبارية" قرار الوزارة ترك الخيار للآباء بخصوص نمط التدريس لأبنائهم، بكونه "تهربا من المسؤولية، ورميها إلى ملعب الأسر". وأردف أن "عودة التلاميذ إلى المدارس في هذه الظرفية الحرجة مخاطرة كبيرة تهدد صحتهم وسلامتهم، لأنه يستحيل اعتماد التباعد في مدارس مكتظة أصلا"، خاصة أن "هناك مؤسسات تعليمية بالقطاع الخاص كانت أساسا بنايات معدة للسكن، وتم تحويلها إلى مدارس، كما يصعب على الأطفال التقيد بالإجراءات الاحترازية الصحية".
أما الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، فقد عبرت عن رفضها للصيغة الوزارية المطروحة، مُعتبرة أن ذلك ينم عن "تخبط وارتباك لدى الوزارة".
وحملت الفيدرالية، في بيان لها، الوزارة مسؤولية أي ارتباك أو فشل للدخول المدرسي المُقبل، وأيضاً "أي مس بالسلامة الصحية داخل المؤسسات التعليمية وضمان تكافؤ الفرص في التحصيل الدراسي بين جميع المتعلمات والمتعلمين".
ودعت إلى تأخير الدخول المدرسي لمدة معقولة تسمح بالإعداد الجيد ووضع حلول تلائم الوضعية الوبائية بالبلاد وتضمن التعليم في جو سليم.
تعليم عن بُعد
أما التنسيق النقابي الثلاثي، فقد دعا إلى الاستغناء عن التعليم الحُضوري في ظل الأوضاع الحالية في البلاد، والاعتماد بشكل كُلي على التعليم عن بعد والتعليم الذاتي، إذا ما استمر فيروس كورونا في الانتشار بين صفوف المغاربة.
وبخلاف مُنتقدي قرارات الوزارة، تشبث التنسيق المكون من 3 نقابات عريقة، وهي الجامعة الحرة للتعليم، والنقابة الوطنية للتعليم، والجامعة الوطنية للتعليم، بالتعليم عن بعد، كما دعا إلى اعتماد التوقيع الإلكتروني بالنسبة لمحاضر التحاق الأساتذة.
ودعا التنسيق الثلاثي إلى توفير خدمة إنترنت بجودة عالية، مع دخول مجاني لجميع التلاميذ والأطر التربوية ضمانا لتكافؤ الفرص.
كما اقترح توزيع ألواح إلكترونية بالمجان على التلاميذ، بدلا من المحافظ والكُتب المدرسية التي دأبت الحكومة على توزيعها سنوياً بتعليمات ملكية.
وللتأقلم مع الوضع الوبائي، طرح أصحاب الرسالة توجهاً نحو "إعادة النظر في الهندسة البيداجوجية بتقليص الوحدات الدراسية، وإعادة النظر في استعمالات الزمن، ومدة الحصص".
تشبث وزاري
ومن جهته، برر سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، وهو في نفس الوقت الناطق الرسمي باسم الحكومة، قرار الوزارة بكونها جاءت بناء على دراسة، وأيضاً سيناريوهات انتشار الوباء في المملكة.
وعبر الوزير في اجتماع مع مختلف الفرق البرلمانية، عن رفضه تأجيل الدخول المدرسي، مُعتبراً أن ذلك سيؤثر سلباً على التحصيل الدراسي للتلاميذ، وفقاً لدراسات علمية صادرة عن اليونسكو.
ولفت إلى أن القرار تم اتخاذه بشراكة وتشاور مع مجموعة من القطاعات الأخرى، وعلى رأسها وزارة الصحة والداخلية، مشدداً على أن الأمر يتعلق بفئة واسعة تُقدر بـ10 ملايين من التلاميذ والطلبة.
وشدد على أن الوزارة قررت إشراك الأسر في القرار، عبر تخييرها بين التعليم الحضوري وعن بعد، موضحاً أنه "من غير المعقول أن يفرض أحد على الآخرين تعميم الصيغة التي يختارها لأبنائه".
ولفت إلى أن "الأطفال مُعرضون للإصابة سواء في المدارس أو حتى الأزقة والأحياء التي يقطنون بها"، مُشدداً على أن وزارته وضعت بروتوكولاً صحياً صارماً لضمان سلامة الأساتذة والإداريين والتلاميذ الذين يختار آباؤهم أن يتم تدريسهم حضوريا".
وأكد أن صيغة التعليم الحضوري ستكون مرنة بالنظر إلى تطور الوضعية الوبائية في المملكة ومختلف المناطق، حيث يمكن أن تصل نسبة التعليم الحضوري إلى 100% في المناطق التي تخلو من الفيروس.
حيرة
ووسط كُل هذه الآراء، وجدت عدة أسر مغربية نفسها غارقة في الحيرة ما بين بعث أبنائها إلى المدارس عبر اختيار التعليم الحُضوري، أو اختيار التعليم عن بُعد، وقال هشام ملالي لـ"العين الإخبارية"، إن كُل الخيارات صعبة، وعليها ما عليها من تداعيات سلبية وأيضاً تكاليف معنوية، موضحاً أن الأسر اليوم وجدت نفسها مُحتارة في اختيار النمط التربوي الأنجع لأبنائها.
وأوضح أن التعليم الحضوري يبقى أكثر إفادة للأبناء على مستوى التحصيل الدراسي والاستفادة التربوية، إلا أنه يحمل في طياته مُخاطرة كبيرة، ليس فقط بسلامة التلميذ، بل بسلامة أسر وأحياء بكاملها.
وأضاف: "من الصعب جداً أن يلتزم التلاميذ، خاصة الأطفال بالتدابير الصحية"، خاصة أن "الأسر وجدت صعوبة في ضبط التزام طفل أو اثنين بهذه التدابير، فكيف ستتمكن الأطر التربوية من ضبط عشرات التلاميذ".
وتابع: "مسألة المواكبة كانت مُتاحة في السابق حينما كان الحجر الصحي مفروضاً على الجميع، والآباء إما مُتفرغون لأبنائهم وإما يشتغلون عن بُعد، أما الآن؟ من سيُواكب الأطفال في الأسر التي يشتغل فيها الأب والأم خارج المنزل؟"، مُضيفاً: "هناك أسر بالكاد تتحمل المصاريف الأساسية، فكيف ستوفر لكل طفل حاسوبا أو لوحة ذكية؟".