في بداية الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة كانت الغالبية الساحقة، من المتابعين والمراقبين والمحللين في واشنطن والولايات الحاسم تصويتها
في بداية الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة كانت الغالبية الساحقة، من المتابعين والمراقبين والمحللين في واشنطن والولايات الحاسم تصويتها، تؤكد أن دونالد ترامب لن يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري الذي انتمى إليه مؤخراً لأسباب مصلحية. لكن بعدما صمد في مواجهة منافسيه على الترشيح أسابيع بل أشهراً عدة "لعب الفأر في عبّها"، وبدأت تعتقد أن حظوظه في أن يصبح المرشح الرسمي لحزبه تتصاعد، وخصوصاً بعدما ضربت نتائج التصويت التمهيدي في أكثر من ولاية أميركية آمال مرشحين جديين جداً، أبرزهم إثنان: جون كايسيك الذي بقي مصراً على منافسته حتى نهاية الحملة، وجيب بوش إبن الرئيس الأسبق جورج بوش الأب وشقيق الرئيس جورج بوش الابن. وعندما صار المرشح الجمهوري لم تتخل الغالبية نفسها عن اقتناعها بأن فوزه بالرئاسة صعب، لكنها لم تعد تعتبره مستحيلاً. كما أنها صارت تميل الى الاقتناع بأن فوزه يصبح حتمياً في حالتين. الأولى حصول عملية إرهابية كبيرة داخل أميركا تؤجج غضب الرأي العام فيها بل غالبية الناخبين على الإدارة، وتدفعه الى تبني طروحاته ضد مسلميها والمهاجرين غير الشرعيين إليها. والثانية إصابة المرشحة الديموقراطية المنافسة بعارض صحي على "الهواء" إذا جاز التعبير. وسيكون ذلك ضربة قاضية لترشيحها، إذ أنها عانت يوم كانت وزيرة للخارجية من أزمة صحية مماثلة يبدو أنها لم تشف منها تماماً أو أنها قابلة للتكرار. وقد حصل ذلك أمام كاميرات التلفزيون وأجهزة الخليوي قبل أسابيع، إذ كادت أن تقع بعد شعورها بتوعك (أي أن تغيب عن الوعي) وهي في طريقها الى السيارة للذهاب الى مركز صحي أو مستشفى. الحالة الثانية هذه تشجّع رافضي ترامب الفاقدي الثقة بكلينتون في الوقت نفسه لغياب شفافيتها ولاعتبارات أخرى على التخلي عن التردّد والانحياز الى المرشح الجمهوري.
هل هذا التحليل المعلوماتي لغالبية المتابعين والمراقبين والمحلّلين الأميركيين لا يزال صالحاً؟
لا يقلل متابع مزمن في واشنطن ودقيق جداً من تأثير التطوّر السلبي للحالة الصحية للمرشحة كلينتون وخصوصاً إذا كان خطيراً أو مقلقاً في صورة جدية. لكن المعلومات المتوافرة عنده حتى الآن تشير الى أنها تجاوزت توعكّها وأن "مرضها" قابل للشفاء، ولا يعطّل عملها الرئاسي أو قدرتها على القيام به بكفاءة إذا انتُخبت رئيسة. أما حصول عمل إرهابي ضخم فلن ينعكس إيجاباً لمصلحة ترامب بعد اليوم إذ بدا لحزبه وللأميركيين عموماً أنه غير مؤهّل فعلاً لأن يصبح رئيسهم و"قائدهم الأعلى". فشفافيته غائبة، وهَوَسَه الجنسي لا أخلاقي على الاطلاق، وتهرّبه من الضرائب واضح، وعدم تمتعه بفكر استراتيجي وبخطة عملانية وعدم قدرته على الانضباط بتعليمات وتوصيات فريق عمل مختص واقف الى جانبه، كل ذلك يجعل "المؤسسة" الجمهورية كما "المؤسسة الأميركية الرسمية السياسية والعسكرية والأمنية" تعتبر شخصيته خطراً على البلاد والدولة والشعب والمصالح الحيوية والاستراتيجية الأميركية.
في اختصار يؤكد المتابع نفسه أن ترامب المرشح للرئاسة قد انتهى، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يراهن عليه لخفّته، وليس لمزايا مهمة فيه، ولقدرته على استعماله بات يعرف ذلك. وبات يعرف أيضاً أن المرشحة كلينتون تسبقه بنقاط يراوح عددها حتى الآن بين 6 وأحياناً 8 و11 في استطلاعات الرأي كلها. وبات يعرف ثالثاً أن ترامب ليس في حالة حرب فقط مع منافسته على الرئاسة بل أيضاً مع "المؤسسة" داخل الحزب الجمهوري وقسم كبير من أركانها. وقد تخلّى عنه حتى الآن نحو 20 شيخاً (سيناتوراً) وأقطاب كبار في الحزب منهم أخيراً رئيس مجلس النواب في الكونغرس بول رايان، وباتوا يسلِّمون بأن كلينتون ستفوز وبأنهم لا يمانعون في ذلك. إذ صار هدفهم الآن عدم خسارة الكونغرس الذي يسيطر حزبهم على مجلسيه الآن في انتخاباته العامة التي ترافق الانتخابات الرئاسية. علماً أن معطيات المتابع في واشنطن نفسه تشير الى أن الحزب الديموقراطي سيستعيد سيطرته على مجلس الشيوخ، وأن الحزب الجمهوري سيحتفظ بالأكثرية في مجلس النواب لكن نسبتها هذه المرة ستنخفض كثيراً ولن تبقى كما كانت. ومن شأن ذلك إتاحة الفرصة لكلينتون كي تكون رئيسة قوية ونافذة جداً.
كيف ستتعاطى الرئيسة هيلاري كلينتون مع نظيرها الروسي فلاديمير بوتين الذي ذهب بعيداً في تحدّي إدارة أوباما وفي استغلال طيبة الوزير جون كيري ووداعته وصدقه وسياسته و...؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة