اليوم لم يعد الإعلام هو الصحفي والكاميرا، فها نحن نصل إلى العالم دون طلب منه بكل تناقضاتنا من خلال السوشال ميديا
اليوم لم يعد الإعلام هو الصحفي والكاميرا، فها نحن نصل إلى العالم دون طلب منه بكل تناقضاتنا من خلال السوشال ميديا
الحديث عن الإعلام ذو شجون، يحاول أن يُوجد ثقبا في الإجابات المعلبة الجاهزة، لينفث من خلالها سؤالٌ يقوّض هشاشتها ويخلخل يقينها المرتبك، ليمشي -السؤال- بعد ذلك مرحا بعد أن صعّر خد استفهامه كثيرا لتلك الإجابات، لينطلق كصرخة الحرية الأولى: ما المطلوب من الإعلام؟
إجابة وحيدة تقف بكل ثقة تقول: ليقول الحقيقة.
هذه الإجابة كاملة رغم يقين الجميع بنقصها، أو على الأقل "عارية" في ذهن المتلقي الذي يجتهد في كل مرة أن يضع بعدها "لكن"، ليلبسها مما يظن أنه يستر عريها، كل ذلك يدور في فلك مطالبة "تحسين صورتنا في الخارج"، هذه الجملة رددها "النخب"، ثم أصبحت مسلّمة لدى الشارع. لكن هل فعلا دور الإعلام هو "تحسين" الصورة أم نقلها كما هي؟
سأحاول أن أجيب دون أن أتورط في مثالية، كون الإعلام ينبغي أن يكون حياديا، فلا يوجد في الكون حياد تام إلا عند الجماد، هذا يتطلب منّا أن نحيد الحديث عن "الصورة" قليلا ونتحدث عن "الأصل"، فهل الأصل مثالي في الأساس؟
لنفترض –جدلا– أنه كذلك، كما نفترض أن "صورتنا" في الخارج ما هي إلا "نيجاتيف" شديد السواد، لنلتفت الآن إلى الإعلام بعد أن نسأل أنفسنا: هل نحن بمكان مغلق تماما لا يعرف عنّا العالم سوى ما ينقله له إعلامنا؟
هنا أتوقف عند مقولة أكاديمي سعودي في برنامج حواري يقول: "ما يحدث حول السعودية اليوم هو شيطنة بمعنى الكلمة، هناك حملات تشوّه صورتنا في الخارج"، لنضع هذه المقولة في أذهاننا ونتخيل المشاهد التالية:
• شاب من عائلة ثرية يستعرض بسيارته الفارهة في إحدى عواصم المدن الأوروبية، سيارة مطلية بالذهب وصاحبها تحيط به حماية شخصية أكثر من رؤساء الدول، ويرمي الدولارات على الأرض بتباهٍ مستفز.
• أحدهم يتحدث عن نظرية علمية بتأثير قيادة المرأة للسيارة على "المبايض"، وغيرها من الفتاوى الغريبة.
هذه أمثله بسيطة، أوردتها لتقريب الصورة فقط. من الطبيعي أن ينقل الإعلام العالمي هذه الصور الحقيقية، هذه الصورة التي صدرها "الأصل" للعالم، فكيف نقنع العالم أن ما يرونه ليس هو الحقيقة، مشكلتنا أننا صدقنا أن دور الإعلام هو "تلميع" الصورة، وهذه الصورة الذهنية عن الإعلام لها ما يبررها. نعود إلى السؤال: هل تجنّى الإعلام العالمي علينا وشوّه صورتنا بشيطنته؟ أم نعترف بأنه لا أحد شوّه صورتنا أكثر منّا، من بذخ أولاد الأثرياء، من الحفلات الصاخبة التي تتجاوز ميزانيات تعليم دول متقدمة، من أكاديميين ووعاظ ورجال دين امتطوا لسان/ حصان الشعبوية وأغراهم هتاف الجمهور؟
أما قضية الحملات، فينبغي أن نقتنع بأننا لسنا الشغل الشاغل للعالم، واليوم لم يعد الإعلام هو الصحفي والكاميرا، فها نحن نصل إلى العالم دون طلب منه، بكل تناقضاتنا من خلال الـ"سوشال ميديا"، والحل: كن جيدا ولن يستطع الإعلام أن يصورك ثريا أبلها!.
*نقلاً عن "الوطن أون لاين"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة