«الأسلحة الخفية» في المناظرات الرئاسية.. الصورة بألف كلمة
يُنظر للمناظرات الرئاسية باعتبارها "عرض استثنائي"، لكن تفاصيلها الصغيرة تحمل قدرة كبيرة على التأثير على النتائج، سواء كان الأمر يتعلق بصورة أو تنهيدة أو معلومة خاطئة.
ومن المقرر أن تتواجه نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب في أول مناظرة رئاسية بينهما ليل الثلاثاء-الأربعاء في بنسلفانيا، في حلقة جديدة من المناظرات الرئاسية المؤثرة.
وفي حين إن المناظرات الرئاسية هي بالفعل من أكثر الأحداث المنتظرة في الحملات الانتخابية، إلا أن مناظرة اليوم تأتي مع مخاطر إضافية بعد انسحاب الرئيس جو بايدن عن حملة إعادة انتخابه.
ومنذ أول مناظرة رئاسية متلفزة على المستوى الوطني في عام 1960، عندما كان يُعتقد على نطاق واسع أن إدارة جون كينيدي الدقيقة لصورته قد ساهمت في فوزه في الانتخابات على ريتشارد نيكسون، سعى الباحثون إلى فهم كيفية تأثير المناظرات الرئاسية على الناخبين.
وتشير الدراسات عمومًا إلى أن تأثير مشاهدة المناظرات ضئيل بشكل عام. ومشاهدو المناظرات عادة من بين الأكثر انخراطًا في السياسة وبالتالي من المرجح أن يكونوا قد اتخذوا قرارهم قبل المناظرة بوقت طويل.
بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، تكون المناظرات بمثابة رياضة للمتفرجين إلى حد كبير، حيث يشاهدونها بشكل أساسي لمعرفة أداء المرشح المفضل لديهم دون تأثير يذكر على آرائهم.
ومع ذلك، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن أداء المرشحين في المناظرات يمكن أن يؤثر على مدى تفضيل الناخبين لهم، مما قد يؤثر على خيارات الناخبين المترددين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للأداء غير المتوازن في المناظرة أو الزلة الكبيرة التي يرتكبها أحد المرشحين تأثير دائم على تقييمات المرشحين، وفق داستن كارناهان، الخبير والأكاديمي الأمريكي.
لماذا الخطر؟
ورغم التقدم التكنولوجي والاتجاهات الاجتماعية الحديثة التي تتيح للناس القدرة على ”ضبط“ العملية السياسية، مثل ظهور منصات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي، لا تزال المناظرات الرئاسية تستحوذ على اهتمام كبير من الجمهور.
فوفقًا لتصنيفات بحثية، حدثت اثنتان من المناظرات الرئاسية الثلاث الأكثر مشاهدة في التاريخ الأمريكي في عام 2016 (دونالد ترامب وهيلاري كلينتون بـ84.4 مليون مشاهد) وفي عام 2020 (دونالد ترامب وجو بايدن بـ73.1 مليون مشاهد)، أي في عهد "الإعلام الافتراضي".
بالإضافة إلى ذلك، تهيمن المناظرات على التغطية الإخبارية على مدى 48 ساعة قبل المناظرة وبعدها، ومن المرجح أن يميل المحتوى عبر المنصات الإعلامية الافتراضية في وقت المناظرات، إلى التغطية السياسية أكثر من المعتاد.
على سبيل المثال، خلال المناظرة بين ترامب وكلينتون في عام 2016، تمت مشاركة حوالي 17 مليون منشور متعلق بالمناظرة على إكس (تويتر سابقًا).
هذه المشاهدة الواسعة، تجعل من أي زلة كبيرة أو أداء كارثي أو صورة غير مريحة أثناء المناظرات، بمثابة "ضربة قاتلة" للمرشح، خاصة في السباقات المتقاربة نحو البيت الأبيض، مثل الوضع الحالي بين ترامب وهاريس.
أمثلة تاريخية
كينيدي-نيكسون
ويمكن للمناظرة الرئاسية أن تحدث فرقًا، ولعل المثال الأكثر شهرة هو المناظرة الرئاسية الأولى التي بثت على شاشات التلفزيون، والتي دارت بين الديمقراطي جون ف. كينيدي والجمهوري ريتشارد نيكسون عام 1960.
كينيدي، الذي كان في الثالثة والأربعين من عمره آنذاك، كان يضع مساحيق التجميل ويستعرض شبابه وحيويته أمام جمهور التلفزيون.
أما نيكسون، الذي كان يكبر كينيدي بأربع سنوات فقط، فقد رفض وضع مساحيق التجميل، وكان يتعرق بغزارة تحت أضواء التلفزيون الساخنة، وبدا عجوزاً ومتعباً.
وما يعكس قوة تأثير الصورة، اعتقد المشاهدون الذين شاهدوا المناظرة على شاشة التلفزيون أن كينيدي قد فاز، في حين اعتقد أولئك الذين استمعوا إليها عبر الراديو أن نيكسون قد فاز.
وفاز كينيدي بالرئاسة في واحدة من أكثر السباقات تقارباً في التاريخ. وقد اعترف في وقت لاحق بأنه ربما لم يكن ليحقق النصر لولا المناظرة.
فورد-كارتر
وبعد 16 عاماً، في عام 1976، ألحق الرئيس الجمهوري جيرالد فورد ضرراً بالغاً بحملته الانتخابية عندما أصر أثناء مناظرة مع الديمقراطي جيمي كارتر على عدم وجود هيمنة سوفياتية على أوروبا الشرقية.
ويقول المحللون إن فورد كان ليخسر على الأرجح في كل الأحوال، لكن زلة لسانه رسخت صورة فورد في أذهان العامة باعتباره رئيساً فاشلاً بعيد كل البعد عن الواقع. ولم يتمكن من التعافي قط.
ريغان-كارتر
في عام 1980، استخدم الجمهوري رونالد ريغان مناظرته الوحيدة مع كارتر بنجاح لتبديد الانطباع بأنه كان متطرفاً في الترويج للحرب، من خلال الظهور بمظهر الودود والحديث عن السلام.
وفي أحد أكثر السطور التي لا تُنسى على الإطلاق خلال مناظرة رئاسية، استغل ريغان مخاوف الناخبين بشأن ارتفاع معدلات التضخم من خلال توجيه سؤال للمشاهدين: «هل أنت أفضل حالاً مما كنت عليه قبل 4 سنوات؟». وبعد أسبوع واحد، حقق ريغان فوزا ساحقا على كارتر، الذي فاز فقط في 6 ولايات ومنطقة كولومبيا.
كلينتون-بوش
وعلى عكس معظم المناظرات الرئاسية الأخرى، حيث يقف المرشحون على المنابر ويجيبون على أسئلة مدير المناظرة، أجريت المناظرة الثانية في سباق 1992 في شكل ”قاعة المدينة“ التي اقترحتها حملة بيل كلينتون، أي في شكل نقاش مع الناخبين.
واعتُبر هذا الشكل مفيدًا لكلينتون، حاكم ولاية أركنساس آنذاك، الذي رأى الناخبون أنه بدا محبوبًا أكثر من منافسيه.
وفي إحدى اللحظات الشهيرة خلال المناظرة، التقطت الكاميرا الرئيس بوش الأب وهو ينظر إلى ساعته بينما كان أحد الناخبين في ريتشموند بولاية فيرجينيا يطرح سؤالاً حول الدين القومي، مما أعطى المشاهدين إحساساً بأن الرئيس في ذلك الوقت "كان سلبياً أو ضجراً"، ما غذى الرواية القائلة بأنه كان منفصلا عن اهتمامات الناخبين، وفق مجلة "التايم" الأمريكية.
آل جور-بوش الابن
وخلال سباق انتخابات 2000، تنهد نائب الرئيس آنذاك آل غور، الذي كان يعتبر المتفوق في المناظرة، بصوت عالٍ، ودار بعينيه وهز رأسه أثناء مناظرة مع حاكم ولاية تكساس -آنذاك- جورج دبليو بوش خلال الانتخابات التي شهدت منافسة شديدة في عام 2000.
وقال الناخبون لخبراء استطلاعات الرأي إنهم لا يحبون شخصية جور، وتلاشى تقدمه الضئيل على بوش، وخسر الانتخابات التي شهدت منافسة شديدة، والتي حسمتها المحكمة العليا في النهاية.
بايدن-ترامب
لكن لم يكن لأي مناظرة رئاسية تأثير كارثي على أي مرشح مثل المواجهة بين بايدن وترامب في يونيو/حزيران الماضي، بحسب كارناهان الذي قال: «لقد انقلب السباق بأكمله رأسًا على عقب نتيجة لأداء بايدن».
ولم يفشل بايدن في معالجة المخاوف بشأن ما إذا كان قادرًا جسديًا وعقليًا على تولي فترة ولاية ثانية فحسب، بل «عزز إلى حد كبير المخاوف التي كانت لدى الناخبين، والأفراد داخل حزبه حول قدرته على اجتياز دورة الانتخابات لعام 2024»، بحسب كارناهان.