الصين على طاولة هاريس وترامب.. من «المنافسة» إلى « العداء»
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في أمريكا يتوقع أن يكون لفوز أي من كامالا هاريس أو دونالد ترامب، آثار كبيرة على العلاقات مع الصين.
وترى مجلة ذا ديبلومات أن صعود هاريس المفاجئ كمرشح للحزب الديمقراطي ترك لها وقتا محدودا لتطوير استراتيجية شاملة للسياسة الخارجية، ناهيك أن هاريس يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها عديمة الخبرة في الشؤون الدولية، حيث ركزت في المقام الأول على القضايا المحلية طوال حياتها المهنية العامة.
هاريس أقل تشددا
وفي أول مقابلة لها منذ إطلاق حملتها قالت هاريس لشبكة "سي إن إن" في 29 أغسطس/آب الماضي، إنها من المرجح أن تواصل مسار السياسة الخارجية لبايدن، لكن اختيارها لفيليب جوردون كمستشار للأمن القومي يشير إلى تحول محتمل في السياسة الأمريكية تجاه الصين، حيث قد يختلف نهج جوردون البراجماتي عن الموقف الأكثر مواجهة لإدارة بايدن.
وبحسب المجلة، تتأثر آراء جوردون بشأن السياسة الخارجية بشكل عميق بمعارضته استراتيجية «تغيير النظام» التي انتهجتها إدارة بوش في العراق، والتي يعتقد أنها شوهت سمعة الولايات المتحدة العالمية.
ونظرا لكونه "دبلوماسيا براجماتيا" يدعو جوردون إلى الاستخدام الحكيم للقوة الأمريكية، بحجة أن فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية لا تكمن في مؤسساتها ولكن في جودة قيادتها، ويشير منظوره الأوروبي إلى النظر لأمن «القارة العجوز» باعتباره مركزيا للقوة العالمية للولايات المتحدة، ومع ذلك فهو يعترف بأن الصين، وليس أوروبا، هي الآن المحور الأساسي للسياسات الخارجية والعسكرية والاقتصادية الأمريكية.
لكن تأثير جوردون على سياسة هاريس تجاه الصين غير مفهوم بالكامل، وقد لعبت ريبيكا ليسنر، نائبة مستشار الأمن القومي لهاريس، دورا مهما في تشكيل استراتيجية إدارة بايدن تجاه الصين، ويعكس عمل ليسنر على استراتيجية بايدن للأمن القومي اعترافا بأن حقبة ما بعد الحرب الباردة قد انتهت، وأن الولايات المتحدة منخرطة في منافسة استراتيجية مع الصين، منافستها الوحيدة، وتؤكد هذه الاستراتيجية التزام الولايات المتحدة بترسانة نووية للضربة الأولى وموقف عسكري قوي، مما يشير إلى أن هاريس قد تستمر في هذا النهج المتشدد إذا تم انتخابها.
ترامب والصين
في المقابل، يتوقع أن يضاعف ترامب -إذا عاد مجددا إلى البيت الأبيض- موقفه العدائي تجاه الصين، مع التركيز بشكل خاص على المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية. ويؤكد تأييد المؤتمر الوطني الجمهوري لبرنامج ترامب، إلى جانب اختيار جيه دي فانس كمرشح لمنصب نائب الرئيس، التزام الحزب بمواجهة الصين.
وتشير التعيينات المحتملة لترامب لشخصيات مثل إلبريدج كولبي وروبرت لايتهايزر، المعروفين بآرائهما المتشددة بشأن الصين، إلى أن إدارته ستعطي الأولوية للتفوق الاقتصادي الأمريكي والتقدم التكنولوجي، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء.
كما يشير نهج ترامب تجاه تايوان إلى استراتيجيته الأوسع تجاه الصين، فهو ينظر إلى تايوان في المقام الأول باعتبارها سوقًا للأسلحة الأمريكية ومصدرًا لتكنولوجيا أشباه الموصلات، مما يسلط الضوء على العدسة الاقتصادية التي يرى من خلالها السياسة الخارجية.
ومن المرجح أن يواصل ترامب مبيعات الأسلحة إلى تايبيه دون تعزيز التزامات الدفاع الأمريكية بشكل كبير، بالإضافة إلى ذلك قد تعمل إدارته على تقليص الوجود الاستراتيجي للولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ، وإضعاف التحالفات التي تقودها الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتركيز بدلاً من ذلك على التدابير الأحادية الجانب لقمع النمو الاقتصادي والصناعي للصين من خلال التعريفات الجمركية والعقوبات العقابية.
من جانبها، تدرك بكين تمام الإدراك المخاطر الكبيرة التي تحملها نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة، وبصرف النظر عن الفائز تتوقع الصين موقفا صارما من الإدارة الأمريكية القادمة.
جي دي فانس يتهم هاريس بمحاباة الصين
وفي حديثه في تجمع حاشد في بيج رابيدز بولاية ميشيغان زعم فانس أن هاريس كانت مسؤولة عن بناء المصانع الصينية في ميشيغان واستيلاء الصين على الوظائف من شركات السيارات في ميشيغان. وربط فانس تصويتها على قانون خفض التضخم كنائبة للرئيس بإنشاء مصنع جوتيون المملوك للصين في ميشيغان".
وقال فانس في التجمع الانتخابي: "لا تريد هاريس السماح للحزب الشيوعي الصيني ببناء مصانع على الأراضي الأمريكية فحسب، بل تريد أن تدفع لهم للقيام بذلك من أموال الضرائب لدينا".
قارن فانس بين المصانع الصينية في ميشيغان ووعد ترامب بتنفيذ التعريفات الجمركية على الصين، ووعد بأن ترامب سيخفض الضرائب على الأمريكيين.
وعلق فانس: "قالت قيادتنا الفاسدة (يقصد بايدن وهاريس) إنه إذا فرضت تعريفات جمركية على الصين فإن الأسعار سترتفع، ولكن في عهد ترامب أدت التعريفات الجمركية على الصين إلى نهضة في التصنيع وانخفاض الأسعار للمواطنين الأمريكيين، وارتفاعها لدى الصينيين".
ما يُنتظر من الصين
قد تشهد رئاسة هاريس سعي بكين إلى ترسيخ إدارتها للاتفاقيات التي تم التوصل إليها مع بايدن، خاصة من خلال الاستمرار في المشاركة في المنتديات مثل قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ التي استضافتها بيرو وقمة مجموعة العشرين التي استضافتها البرازيل في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني.
وجرى تصميم هذه الاستراتيجية للبناء على الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي بذلها الديمقراطيون، والتي تجسدت في زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى بكين في أواخر أغسطس/آب، ونيتهم السعي إلى التعاون الصيني بشأن الصراعات الجيوسياسية الكبرى والتحديات الاجتماعية والاقتصادية المحلية في الولايات المتحدة، خاصة خلال المرحلة الأخيرة من إدارة بايدن والحملة الرئاسية للديمقراطيين.
غير أن بكين تستعد أيضا لاحتمال رئاسة ترامب مرة أخرى، وفيما تفيد التقارير بأن بكين تبذل مساعي حثيثة من أجل التواصل مع معسكر ترامب، حتى إنها أرسلت دون جدوى السفير الصيني السابق إلى الولايات المتحدة كوي تيانكاي للقاء ترامب، ومن المرجح أن تواصل بكين مساعي التواصل مع ترامب في الوقت الذي ستعمل فيه على تعزيز واستغلال تحالفها مع روسيا والجنوب العالمي.
وقد تشجع بكين حلفاء الولايات المتحدة، خاصة الاتحاد الأوروبي، على الاستقلال الاستراتيجي عبر تقديم الحوافز الاقتصادية وتسريع تسويات التجارة، بالإضافة إلى ذلك قد تشارك الصين في مفاوضات تكنولوجية اقتصادية مع الولايات المتحدة، وتبدي استعدادا لتقديم تضحيات اقتصادية في مقابل مكاسب استراتيجية في غرب المحيط الهادئ.
وإجمالا فإن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 ستكون لها آثار عميقة على مسار العلاقات الصينية الأمريكية، وسواء كانت تحت إدارة هاريس أو إدارة ترامب، تستعد بكين لفترة صعبة قادمة، تتسم بالمنافسة الاستراتيجية والتنافس الاقتصادي.
ومع تنقل الجانبين في هذا المشهد المعقد سوف يتأثر توازن القوى العالمي بشكل كبير بسياسات وقرارات الرئيس الأمريكي المقبل.
aXA6IDMuMTUuNy4yMTIg جزيرة ام اند امز