مُقدمات حملة الرئيس ترامب لانتخابات 2020
3 تغريدات أطلقها دونالد ترامب خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، وذلك كمقدمة لحملته لإعادة ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ربما ليس من قبيل المبالغة القول إن الرئيس دونالد ترامب سوف يدخل التاريخ باعتباره الرئيس الأكثر إثارة للجدل والخلاف في داخل أمريكا وخارجها، فهو تارة في حالة حرب مُستمرة مع وسائل الإعلام الأمريكية، ولم يتردد في اتهام كُبريات الصُحف وقنوات التلفزيون الأمريكية بالكذب والتضليل وعدم الموضوعية في تغطية الأحداث وفي تناولها لسياساته ووصفهم بأنهم "أعداء الشعب"، وتارة أُخرى يخرج بتصريحات تدخُل في صميم الشؤون الداخلية للدول الأُخرى، وبلغ الأمر أنه خلال زيارته لبريطانيا في الشهر الماضي أدلى بتصريحات تتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأن ازدياد التجارة مع الولايات المُتحدة سوف يُعوضها عن الخسائر المُترتبة على هذا الخروج، وتصريحات أُخرى أيد فيها انتخاب أحد المُرشحين لرئاسة حزب المحافظين مما أثار قطاعًا كبيرًا من الرأي العام البريطاني ضد هذه التصريحات.
وتارة ثالثة تتضمن تعليقاته خطابًا شعبويًا عاطفيًا يثير المشاعر ويُؤدي إلى الاستقطاب الاجتماعي، مما دفع عُمدة لندن "صادق خان" إلى وصفه بأنه "فاشي" واتهمه بعدم فهم الإسلام فهمًا صحيحًا وخاطبه قائلًا "إن قيمك ليست قيمنا".
وأود أن أعرض لمضمون ثلاثة تغريدات أطلقها ترامب في الأسبوع الثاني من شهر يونيو/حزيران الماضي وذلك كمقدمة لحملته لإعادة ترشيح نفسة في الانتخابات الرئاسية القادمة المُزمع عقدها في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وكُل من تلك التغريدات كان كفيلًا بخلق زوبعة من الاجتهادات والخلافات حولها بسبب ما تضمنته من دلالات ومعانٍ مثيرة للجدل.
كانت التغريدة الأولى في 15 يونيو/حزيران 2019 والتي صور فيها الانتخابات القادمة بأنها اختيار بين إعادة انتخابه والانهيار المالي، فذكر بالنص "إن الاقتصاد الترامبي أنجز نتائج غير مسبوقة، وسوف يُحقق المزيد.. ولكن إذا تولى أي شخص "غيري" الرئاسة في 2020؛ فإن الأسواق سوف تنهار بشكل لم يشهده العالم من قبل".
ربط ترامب في هذه التغريدة بشكل مُباشر بين التقدم الذي أحرزه الاقتصاد الأمريكي وكان أبرز مظاهره انخفاض مُعدل البطالة واستمرار مُعدل النمو وبين سياساته ووجوده كرئيس للجمهورية, وأن استمرار هذا الانجاز رهينٌ بإعادة انتخابه.
والحقيقة، أن هذا الربط لا تسنده الإحصاءات الخاصة بتطور الاقتصاد الأمريكي, فسنوات النمو الاقتصادي بدأت قبله واستمرت في عهد ترامب، وتُعتبر أطول مٌدة من النمو الاقتصادي المُطرد منذ بداية القرن العشرين والتي بلغت 9 أعوام.
وبالطبع فإن ترامب يعلمُ هذه الحقيقة، ويعلَم أيضًا أن آثار السياسات الاقتصادية لا تظهر في شهور معدودة أو حتى في سنة واحدة وأنه يجني ثمار السياسات التي اتبعها سلفه، ولكنه يهدف إلى مُخاطبة ملايين الأمريكيين من عموم الناس ويُركز على الموضوع الذي يشغل بالهم ويؤثر على حياتهم وهو الأسعار والأجور، وأن ينسب التحسن في حالة الاقتصاد الأمريكي الراهنة إلى سياساته، وفي نفس الوقت يُثير حالة من الخوف والهلع لديهم من اختيار شخص آخر، فاختيار رئيس غيره سوف يؤدي ليس فقط إلى تراجع مُعدل النمو الاقتصادي بل إلى انهيار الأسواق بشكل لم يشهده العالم من قبل، أي أن آثار هذا الانهيار سوف تتجاوز ما حدث في الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 1930في القرن الماضي, والأزمة الاقتصادية/المالية في عام 2008-2009 في هذا القرن.
وكأن الرئيس الأمريكي لم يكتف بما حملته هذه التغريدة من معانٍ فألحقها بتغريدة أخرى في اليوم التالي 16 يونيو/ حزيران 2018 أشار فيها إلى أنه بسبب الإنجازات والمكاسب الاقتصادية التي حققتها إدارته، فإن الشعب الأمريكي سوف يُطالب في عام 2022 بأن يترشح للرئاسة فترة ثالثة، ففي مجال مُقارنة إنجازاته بسِهام النقد التي تُطلقها أدوات الإعلام ضده كتَب أنه في نهاية السنة السادسة لحُكمه "وهو عام بدء الحملة لانتخابات الرئاسة التالية في عام 2024"، وبَعد أن أصبحت أمريكا دولة عظيمة وأنه سوف يُغادر البيت الأبيض "فهل تعتقدون أن الشعب سوف يُطالب ببقائي فترة أطول؟" مُضيفًا أن الصُحف التي تُهاجمه سوف تكون قد أفلست ودخلت غياهب النسيان.
ومثل هذه التغريدة تتضمن انتهاكًا مُباشرًا للدستور الأمريكي الذي ينُص على أن الحد الأقصى لولاية أي رئيس هو فترة دورتين أي لمدة ثمانية أعوام، ولهذا النص قصة تستحق التسجيل، فالدستور الأمريكي الذي تم التصديق عليه وبدأ العمل به في عام 1789 يتكون من 7 مواد فقط ويُعد أقدم الدساتير المكتوبة في العالم، لم ينُص الدستور على مُدة ولاية رئيس الجمهورية ومنذ انتخاب أول رئيس في عام 1789 وهو جورج واشنطن, درج الرؤساء الأمريكيون على إعادة الترشح لفترة واحدة دون وجود نص يُلزمهم بذلك، واستمر هذا الوضع حتى تولى فرانكلين روزفلت الرئاسة في عام 1933 وأُعيد انتخابه 4 مرات حتى تُوفي في 1945 بعد عدة أسابيع من انتخابه.
وقد استمر روزفلت في الحكم بسبب الظروف السياسية المُضطربة في العالم، فقد شهدت أولى سنوات حكمه وصول هتلر وحزبه النازي إلى السُلطة في ألمانيا واتباعه لسياسة توسعية عدوانية في أوروبا في الثلاثينيات وتحالفه مع إيطاليا واليابان، وصولًا إلى نشوب الحرب العالمية الثانية والهجوم الياباني على الأسطول والقواعد الأمريكية في "بيرل هاربر" في ديسمبر/كانون الأول عام 1941 مما أدى إلى دخول أمريكا الحرب وتولي الجنرال الأمريكي "دوايت ايزنهاور" قيادة قوات الحُلفاء في أوروبا.
ورغم هذه الظروف والمُبررات فقد قرر الكونجرس الأمريكي أن ما حدث في عهد روزفلت ينبغي ألا يكون سابقة يُمكن تكرارها، فتم إقرار التعديل الدستوري رقم 22 في عام 1951, والذي نص على فترة الدورتين كحد أقصى للرئيس.
الرئيس ترامب يعرف هذا جيدًا، ويُدرك استحالة أن يُعاد انتخابه لدورة ثالثة ومع ذلك فقد ألمح في هذه التغريدة، رُبما إشارة منه إلى درجة شعبيته وإلى تمسك الأمريكيين به رئيسًا.
أما التغريدة الثالثة، فتُشير إلى ملمح آخر من شخصية الرئيس ترامب والخاصة بموقفه تجاه المُهاجرين الذين لم يدخلوا الولايات المتحدة بطريقة شرعية، وذكر فيها يوم 21 يونيو/حزيران 2019 أنه أعطى أوامره لوكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة بإبعاد عدة ملايين من الأجانب الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية وأقاموا فيها وأن هذه العملية ستتم بسُرعة.
ويُمثل هذا التهديد حلقة جديدة في مُسلسل رفض موجات الهجرة القادمة من المكسيك وأمريكا الجنوبية والتي اعتبرها ترامب أحد الأخطار الرئيسية المُحدقة بالأمن والاقتصاد فاقترح بناء جدار من الأسمنت والفولاذ على طول الحدود مع المكسيك لمنع تسلل المُهاجرين.
ورغم رفض مجلس النواب تخصيص الموازنة اللازمة لتمويل هذا الجدار فقد لجأ ترامب إلى مجموعة من الحيل القانونية لتحقيق هدفه مثل أن يتم الإنفاق عليه من موازنة وزارة الدفاع. وفي نفس السياق هدد المكسيك بفرض رسوم جمركية أعلى على واردات الولايات المُتحدة منها ما لم تتعاون في وقف هذا التدفق البشري، وبالفعل وعد الرئيس المكسيكي بتخصيص أعداد أكبر من الجيش والشرطة لضبط الحدود مما جعل ترامب يعدل عن تهديده. وفي الوقت نفسه ازداد ضغط الرأي العام الأمريكي لمساعدة المُهاجرين على الحدود الذين يعيشون في مراكز احتجاز مزدحمة وفي ظروف غير إنسانية، مما أدى إلى وفاة أعداد متزايدة من الأطفال، وكان من شأن بث وكالات الأنباء في الأسبوع الأخير من شهر يونيو/حزيران 2019 لصورة جثتي أب وابنته طافيتين على الماء بعد غرقهما في النهر موجة تعاطف إنساني واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية، فوافق مجلس النواب الذى يسيطر عليه الديموقراطيون على مشروع قانون لمساعدتهم وخصص مبلغ 4.5 مليار دولار لهذا الغرض، ووافق عليه مجلس الشيوخ الذي يحظى فيه الجمهوريون بالأغلبية، مما يشير إلى أن هذا الموضوع محل توافق وطني بين الحزبين الكبيرين.
تُقدم هذه التغريدات جوانب من الشخصية السياسية للرئيس ترامب وأسلوب تناوله للقضايا العامة والتي تشمل أولًا سمات السياسي/رجُل الأعمال الناجح الذي يُبرم الصفقات المُربحة والتي تُوفر مزيدًا من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.
وثانيًا سِمات السياسي الواثق من نفسه الذي يتمتع بشعبية واسعة ويحظى بدرجات تأييد ورضاء عالية في استقصاءات الرأي العام، وهو الذي يشخُص ببصره وفِكره إلى الأمام ولا يعبأ بانتقادات الحاقدين والموتورين.
وثالثًا سمات السياسي الوطني الحريص على مصالح شعبه ولا يُفرط فيها لصالح مجموعة من المُهاجرين غير الشرعيين الذين يُزاحمون أبناء وطنه في فُرص العمل والتشغيل. لقد مثلت تلك التغريدات مُقدمات الحملة الانتخابية لترامب ومن الأرجح أنه سوف يقود ويُدير حملةً قوية وشَرسةً من أجل نجاحه في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
الآراء والمعلومات الواردة في التحليلات تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة
aXA6IDE4LjIxOC43Ni4xOTMg جزيرة ام اند امز