لمنع خسائر بالمليارات.. "غرف نوم استراتيجية" لموظفي الشركات اليابانية
في بلد يتكبد خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات سنويا نتيجة قلة النوم، لم تعد القيلولة في العمل أمراً مستهجنا في الشركات اليابانية.
في بلد يتكبد خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات سنويا نتيجة قلة النوم، لم تعد القيلولة في العمل أمراً مستهجنا، بل استراتيجية أصيلة تتبعها الشركات لوقف الخسائر ومساعدة موظفيها على تحسين أحوالهم الصحية، وبالتالي قدراتهم الإنتاجية.. هنا اليابان.
وبحسب دراسة لمؤسسة "راند" البحثية الأمريكية، العام الماضي، فإن اليابان هي ثاني أكثر دول العالم تكبدا للخسائر نتيجة قلة النوم، حيث يتكبد اقتصادها نحو 138 مليار دولار سنويا وهو ما يعادل 2.28% من ناتجها المحلي الإجمالي.
وتتصدر الولايات المتحدة تلك القائمة بخسائر تصل إلى 411 مليار دولار سنويا.
لكن اليابان، التي تصارع منذ سنوات ظواهر سيئة ارتبطت بقلة النوم والانخراط المتزايد في العمل، وعلى رأسها ما أطلقت عليه اسم "كوراشي" أو الموت المفاجئ بسبب الإفراط في العمل، اتخذت عدة تدابير لحماية صحة مواطنيها ووقف نزيف الخسائر.
ساعة للراحة ونصف للقيلولة
أقرت اليابان في 2019 قانونا جديدا يضع حدا أقصى لوقت العمل الإضافي، وفي الوقت ذاته أخذت الشركات اليابانية في التوسع بإنشاء "غرف نوم استراتيجية" في مقارها لتشجيع الموظفين على "قيلولة لنصف ساعة" في أوقات العمل الرسمية بخلاف ساعة الراحة اليومية، بينما اتجهت شركات أخرى لتوفير حوافز للموظفين الذين ينامون أكثر في منازلهم!
وبحسب دراسة أجرتها شركة "بولار اليكترو" الفنلندية في 28 دولة حول العالم، ينام الرجال والنساء اليابانيين 6 ساعات و35 دقيقة فقط في المتوسط، وهو معدل أقل بـ45 دقيقة من المتوسط العالمي، وبالتالي فإنهم الشعب الأكثر حرمانا من النوم في العالم.
كذلك، أظهر استطلاع منفصل أجرته شركة المنتجات الصحية "فوجي ريوكي" أن 92.6% من اليابانيين الذين تزيد أعمارهم عن 20 عامًا لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم.
نمط الحياة الحديث هو أحد المتهمين الرئيسيين في التسبب بهذا الوضع، حيث الارتباط المفرط بالهواتف المحمولة والأجهزة الذكية على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، والتوتر النفسي والاجتماعي نتيجة ضغوط العمل، فضلا عن استهلاك الكحول والتدخين وقلة النشاط البدني.
ووفقا لمؤسسة "راند"، أصبح من المسلم به أن النوم ضرورة ملحة للصحة والإنتاجية والرفاهية، بينما تؤدي قلة النوم إلى نتائج صحية واجتماعية سلبية.
"ديون النوم"
"ديون النوم" أصبح أيضا مصطلحا شديد الانتشار في اليابان، ويشير إلى أن تراكم قلة النوم يؤدي لتدهور الحالة الصحية، بينما يحتاج التعويض إلى ساعات مضاعفة عن تلك التي لم ينمها الشخص في يومه.
ولسداد "ديون النوم"، استحدثت شركة "نيكست بيت" اليابانية المتخصصة في خدمات التكنولوجيا والمعلومات، العام الماضي، "غرف نوم استراتيجية" للرجال والنساء.
في "الغرفة" يحظر اصطحاب الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وتتميز الغرف بروائح عطرية وأجهزة لمنع الضوضاء، ما يسمح للعاملين بالتمدد على أرائك والحصول على قسط من النوم.
وقال إيميكو سوميكاوا، عضو مجلس إدارة "نيكست بيت" لوكالة أنباء كيودو اليابانية: "يمكن للغفوة أن تفعل الكثير لتحسين كفاءة شخص ما، وهي مثل اتباع نظام غذائي أو ممارسة تمارين رياضية".
الأمر ذاته اتبعته شركة ميتسوبيشي العقارية، والتي أنشأت 3 غرف للنوم للرجال والنساء في مقرها بطوكيو.
وقال مسؤول في الموارد البشرية بميتسوبيشي إن العمال امتنعوا في البداية عن استخدام غرف القيلولة، لكنهم تعودوا عليها لاحقا بعد شعورهم بنتائج التجربة الإيجابية.
وبحسب صحيفة "جابان تايمز" اليابانية، توسعت الشركات اليابانية بشكل عام في إنشاء مرافق خاصة لمساعدة الموظفين على القيلولة أثناء النهار، كما أطلقت بعضها ندوات داخلية لشرح أهمية النوم للموظفين.
النوم في العمل.. دليل التزام وليس علامة على الكسل
من جانبها، تقدم شركة "كريزي" المتخصصة في تخطيط حفلات الزفاف حوافز مالية لإقناع موظفيها بتجنب العمل الإضافي والنوم عدد ساعات معقول.
وتمنح الشركة الموظفين الذين ينامون 6 ساعات على الأقل في الليلة نقاطا يمكن بعد ذلك استبدالها بالطعام في كافتيريا الشركة.
وتتعرف الشركة على عدد ساعات نوم موظفيها من خلال تطبيق لمراقبة نومهم، وباستخدام تلك الوسيلة يمكن للعمال تجميع نقاط تصل قيمتها إلى 64000 ين سنويًا (600 دولار).
وفي ذات السياق، تأمل بعض الشركات في تحسين أنماط نوم الموظفين في الليل، حيث قدمت شركة "سومبو جابان" للتأمين أجهزة محولة لموظفيها تساعدهم على قياس مدة نومهم وعمقه وكفايته.
كذلك، أصبحت الشركات اليابانية أكثر تسامحا مع "الانيموري" أو النوم أثناء الوجود في العمل، بحيث أصبح لدى العمال المرهقين فرصة للنوم بضع دقائق على مكاتبهم دون الخوف من التعرض لعقاب من أصحاب العمل.
ووفقا لصحيفة الجارديان البريطانية، أصبح النوم خلال العمل في اليابان دليلا على التزام الموظفين وليس علامة على الكسل.
كذلك، أوصت وزارة الصحة اليابانية بأن يأخذ جميع الأشخاص في سن العمل غفوة لمدة تصل إلى 30 دقيقة بعد الظهر.