نهج ريجان أم دبلوماسية بايدن.. حيرة أمريكية بشأن التعامل مع احتجاز الرهائن
قبل أكثر من ثلاثة عقود، أكد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان وتحديد في عام 1985 أن "واشنطن لن تقدم تنازلات أبدا للإرهابيين، بمجرد أن نسير في هذا الطريق، لن تكون هناك نهاية للفدية الدموية التي يجب على جميع الدول المتحضرة دفعها".
وفي السبعينيات والثمانينيات، احتجز متمردون وإرهابيون آلاف الرهائن على الطائرات وداخل السفارات حول العالم، مطالبين بتنازلات اقتصادية وسياسية مقابل حياة الرهائن، بحسب تحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وعندما احتجز عشرات الأمريكيين رهائن على متن رحلة خطوط ترانس وورلد الجوية القادمة من أثينا والمتجهة إلى روما، واجه ريجان معضلة قديمة، والتي ابتليت بها الديمقراطيات الثرية.
وإذا رفض القادة مطالب محتجزي الرهائن، فقد يلحق الأذى بمواطنيهم. وإذا استسلموا، يمكنهم توقع المزيد من المطالب. وتشكل كلمات ريجان جوهر سياسة "عدم تقديم تنازلات" المفترضة للولايات المتحدة في حالات الرهائن.
لكن لم تردع سياسة عدم التنازل أخذ الرهائن، لأن الولايات المتحدة لم تتبعها قط فعليا، وكثيرًا ما قدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها تنازلات لنيل حرية الأسرى.
ومؤخرًا، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سياستين تمثلان تحولًا في كيف تأمل الحكومة ردع أخذ الرهائن في المستقبل، وكشفت عن تحذيرات سفر للأمريكيين الذين يغامرون بالخارج، ووعدت بعقوبات أشد صرامة على الدول التي تأخذ الرهائن.
وبالرغم من أن هذه الخطوات جديرة بالثناء، لا تقطع شوطا كافيا، ومع تزايد أشكال احتجاز الرهائن الجديدة، يجب على الولايات المتحدة إعطاء الأولوية للوقاية والعقاب.
دبلوماسية الرهائن
تصدرت قضية احتجاز الرهائن الأنباء منذ فبراير/شباط، عندما ألقي القبض على نجمة كرة السلة الأمريكية بريتني جرينر في روسيا، ووجهت إليها تهمة تهريب المخدرات.
ووفق الصحيفة فإنه "بتمويه احتجاز الرهائن في صورة اعتقالات مشروعة، تجبر دول مثل إيران وروسيا والصين حكومات ديمقراطية متلهفة لإعادة مواطنيها إلى الديار على تقديم تنازلات كبيرة".
وأعلن بايدن أن احتجاز الرهائن الذي تقوده الدولة حالة طوارئ وطنية، واصفا إياه بـ"تهديد غير معتاد واستثنائي على الأمن الوطني، والسياسة الخارجية، واقتصاد الولايات المتحدة".
وطالت دبلوماسية الرهائن حلفاء الولايات المتحدة لسنوات؛ ففي عام 2016، اعتقلت السلطات الإيرانية المواطنة البريطانية نازانين زغاري راتكليف واتهمتها بالتجسس. وسجنت في إيران لستة أعوام وأطلق سراحها فقط بعدما دفعت الحكومة البريطانية لإيران دينا بقيمة 400 مليون جنيه.
وبحسب الصحيفة فإنه "في العقد الأخير، استخدمت حكومات عدة دول من بينها إيران، وكوبا، وبورما، وكوريا الشمالية، السجناء الأمريكيين والأستراليين والبريطانيين والكنديين واليابانيين كورقة مساومة. وكان من بين هؤلاء الرهائن سيماك نمازي، المسجون في إيران منذ عام 2015، وبول ويلان، المسجون في روسيا منذ عام 2018، وأوستن تايس، المفقود في سوريا منذ العقد الماضي".
وأشارت إلى أن الزيادة في دبلوماسية الرهائن، على نحو متوقع، أحيت النقاشات بشأن التنازلات؛ فمن جهة، يمكنها أن تحقق حرية الرهائن، ومن جهة أخرى، تكافئ سلوك غير قانوني، وتملأ خزائن الخصوم، وفي بعض الحالات، تمثل جريمة، من خلال تقديم دعم مادي للإرهاب.
وفي حين أن الأدلة ضعيفة، تظهر بعض الأبحاث أن التنازلات تزيد الهجمات في المستقبل. وبالتالي، يمثل التفاوض مع محتجزي الرهائن معضلة استراتيجية وأخلاقية، ومن الصعب الدفع بأن هناك أي تكافؤ أخلاقي.
ورأى التحليل أن الموافقة السريعة على الطلبات تدفع الخصوم لطلب المزيد؛ وبعدما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها قدمت عرضا مهما مقابل جرينر وويلان، ظهرت تقارير تفيد بأن الروس طالبوا بمزيد من السجناء مقابلهما.
وهكذا حث النقاد على العودة إلى سياسة عدم التنازلات، التي لم تكن موجودة في الواقع، بحسب التحليل، الذي أشار إلى أنه صحيح أن الولايات المتحدة لا تدفع فدية لمنظمات إرهابية أجنبية، لكنها تشارك في تبادل للأسرى، وتسهل دفع الفدية الخاصة.
وأكد التحليل أن سياسة الرهائن يجب أن تركز على منع احتجاز الرهائن قبل وقوعه، وعندما يفشل ذلك، تركز على معاقبة الجناة، لافتا إلى أن هذا التحول الذي تشتد الحاجة إليه تجاه الردع عن طريق العقاب يستلزم الوعد بعواقب وخيمة لاحتجاز الرهائن بحيث لا يقدم أي طرف عقلاني على احتجاز الرهائن في المقام الأول.
وتاريخيا، قلص سبيلان احتجاز الرهائن، حيث يتمثل الأول في التخلص من الظروف التي تمكن وقوع احتجاز الرهائن. وفي الستينيات والسبعينيات، كانت تختطف طائرة كل خمس أيام. وبعدما وافقت شركات الطيران على مسح أمتعة الركاب بالأشعة السينية، انخفض احتجاز الرهائن جوا.
واتخذت إدارة بايدن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه؛ ففي يوليو/تموز، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إرشادات جديدة بخصوص السفر إلى الدول التي يحتجز فيها الأمريكيون ظلما.
أما النهج الثاني، بحسب التحليل، هو العقاب أو فرض تكلفة على الجناة؛ حيث تعاقب الحكومات الخاطفين بشن مهمات لاستعادة الرهائن. وينسب الفضل إلى وحدة مكافحة الاختطاف في كولومبيا في التراجع الكبير في حالات الاختطاف في إحدى البؤر العالمية لاحتجاز الرهائن.
وأشار التحليل إلى أن المهمات العسكرية والإدانات الجنائية ليست الطريقة الوحيدة لإنزال العقوبة، بل يمكن لفرض عقوبات على الدول أن تكون وسيلة فعالة أيضا.