مسبار الأمل.. الإمارات تعيد إحياء حلم عالمي امتد لـ60 عاما
أسـباب تسارع وتيــرة السعي وراء استيطان المريـخ تعود إلى الإجماع العالمي حول قضية الكثافة السكانية علـى كوكـب الأرض
يعيد مسبار الأمل الذي تطلقه الإمارات يوم 15 يوليو/تموز الجاري، إحياء حلم عالمي امتد لما يناهز الـ60 عاما وارتبط بتحقيق تقدم في فهم طبيعة "الكوكب الأحمر" ومدى مواءمته للحياة البشرية.
وعلى الرغم من أن محاولات الوصول للمريخ تعود إلى عام 1960، فإن تحقيق تقدم في حجم المعرفة البشرية حول أسرار المريخ اصطدم بعدة تحديات أهمها فشل ثلثي المحاولات في الوصول للكوكب الأحمر.
وترجع أولى المحاولات للاتحاد السوفييتي الذي حاول إرسال أول مسبار للمريخ أطلق عليه "MARSNIK1" ولكنه فشل في الخروج من المدار الجوي للأرض.
وفشلت 10 محاولات أخرى للاتحاد السوفييتي حتى جاء عام 1971 حين نجح المسبار "Mars 3" في الوصول إلى وجهته ودرس الكوكب الأحمر لمدة 8 أشهر من خلال الدوران حول المريخ قبل أن يهبط على سطح الكوكب وجمع معلومات لمدة 20 ثانية فقط، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإماراتية "وام".
وعلى مستوى الولايات المتحدة كانت أول محاولة في عام 1964 عبر المسبار "Mariner 3" ولكنه فشل بسبب عطل فى الألواح الشمسية المثبتة على جانبي المسبار، ما جعل تحليقه صعبًا حول المريخ.
لكن المسبار "Mariner 4" والذي تم إطلاقه في نفس العام نجح في مهمته بأن يكون أول مسبار يدرس سطح كوكب المريخ عن كثب حيث أرسل ولأول مرة حوالي 22 صورة للكوكب الأحمر بعد أن استطاع التحليق بالقرب منه.
وتعــود أســباب تســارع وتيــرة الســعي وراء استيطان المريـخ إلى الإجماع العالمي حول قضية الكثافة السكانية علـى كوكـب الأرض والتي يتوقــع أن تــؤدي إلــى اســتنفاد ســريع للمــوارد الطبيعيــة، وانقــراض أنــواع مــن الحيوانــات بالكامــل وعلــى نطــاق واســع، الأمر الــذي يهــدد الجنـس البشـري نفسـه.
لذلك أصبح البحـث عـن كوكـب بديل يمكـن للبشـر الاستقرار علـى أرضـه أمـرا لا مفـر منـه وأولويـة لـدى الحكومات ورجــال الأعمال المعنييــن حقــا بالمســاهمة فــي إنقــاذ البشــرية.
وشكل التشــابه بيــن كوكبــي المريــخ والأرض والقرب النســبي بينهمــا بمتوســط مســافة 225 مليــون كيلومتــر أبرز الأسباب التــي جعلــت الكوكــب الأحمر مرشــحا رئيســيا للاستكشاف وهدفــا للدراســة باعتبــاره كوكــب محتمــل للســكن فيــه مستقبلا.
كوكب المريخ
ويحتل كوكـب المريخ المرتبة الرابعة من ناحية البعد عن الشمس، وهــو ثانـي أصغــر كواكب النظام الشمسي، حيث يبلغ قطره نصف قطر كوكب الأرض ويدور حوله قمران هما "فوبوس" و"دييموس".
ويمتاز كوكب المريخ بأنه كوكب صخري مـن النوع الأرضي، مع سـطح صلب غيرتـه البراكيـن والرياح والحركات القشـرية والتفاعلات الكيميائية.
ويبلغ متوســط درجة الحرارة علــى ســطحه 63 درجة مئوية، ويتمتـع بغلاف جـويّ رقيـق يوفـر لـه الحمايـة مــن الإشعاعات الكونيــة والشمسية، ويتألف هذا الغلاف فـي الغالـب مـن غـازات ثانـي أكسـيد الكربون والأرجون والنيتروجيــن وكميــة صغيرة من الأكسجين وبخار الماء.
ويعـرف المريـخ كذلـك باسـم الكوكـب الأحمر بسـبب أكسـدة المعــادن الحديديــة فــي تربته "الصــدأ"، بمــا يضفي اللـون الأحمر علـى التربـة والجـو، وتبلـغ الجاذبيـة علـى سطحه نحــو ثلــث الجاذبيــة علــى كوكــب الأرض.
ويســتغرق يــوم المريــخ مــا يزيــد قليــلا على 24 ســاعة وتعــادل ســنة المريــخ 687 يومــا على كوكب الأرض.
ولا يدعــم ســطح المريــخ بوضعــه الحالــي أي حيــاة فوقــه، غيــر أن متوســط درجــة الحــرارة ليــس شــديدا للغايــة بوجــود الحلــول الواقيــة للبشــرة، علاوة علــى أن تربته تحتــوي علــى الميـاه التـي يمكـن اسـتخراجها، كمـا أن هنـاك قـدرا كافيـا مـن ضــوء الشــمس يصلــح لأخذه فــي الاعتبار كمصــدر محلــي للطاقــة باســتخدام الألواح الشمســية.
وحظـي سـطح الكوكـب الأحمر بزيـارات عديـدة لمركبـات فضائيـة، بمـا فـي ذلـك الرحلات التـي حلقـت حـول الكوكـب والمركبـات المداريـة إلـى المسـابير والمركبـات الاستكشافية لسـطحه لجمـع المزيـد مـن المعلومـات عـن الكوكـب والتجهيـز للرحلات الاستكشافية المسـتقبلية.
ومـع ذلـك، فـإن الأرض والمريــخ يســتقران علــى مداريــن مختلفيــن حــول الشــمس، أي أن المسـافة بيـن الكوكبيـن تتبايـن بشـكل كبيـر، ولا تتاح نافـذة إطلاق الرحلات الاستكشافية علـى النحـو الأمثل إلا كل 26 شـهرا، مـا يحـد مـن فـرص إطـلاق المركبـات الفضائيـة لتحـط علـى سـطح الكوكـب الأحمر بشـكل كبيـر.
أول رحلـة استكشـافية
وكان أول نجــاح لرحلــة استكشــافية إلــى كوكــب المريــخ قــد تحقــق فــي عــام 1965، بتحليـق القمر الصناعي "مارينــر4" التابــع لوكالــة الفضاء الأمريكية ناسا، بتقنيــة التحليــق بالقــرب مــن الأجرام، والــذي أرســل 21 صــورة فوتوغرافيــة عــن قــرب.
وتلا ذلــك عــدة رحــلات استكشــافية نجحــت فــي الــدوران حــول الكوكــب الأحمـر والتقطـت صـورا عاليـة الجـودة سـمحت للعلمـاء بالبـدء فــي استكشــاف قصــة ذلــك الكوكــب.
وفــي عــام 1976، صنعت المركبتان الفضائيتـان "فايكينج1 - فايكينج2" التاريــخ بالهبـوط علـى سـطح الكوكـب والعمـل بكامـل طاقتهـا، لتوفـر بذلــك ســنوات مــن التصويــر عالــي الدقــة للســطح، ومــن ثــم قيــاس وتحديــد عناصــر ســطح الغلاف الجــوي لــه، وإجــراء تجــارب علميــة للبحــث عــن أي أثــر للحيــاة علــى ســطحه.
وفي 1997 تمكنـت المركبـة "مـارس باثفاينـدر" التابعـة لوكالـة ناسـا مـن الهبــوط بنجــاح على سطح المريخ باستخدام نظــام ضخــم مـن الأكياس الهوائيـة لتخفيـف وطـأة الهبـوط، وعملـت علـى إرسـال الروبوت "سـوجورنر" المزود بعجلات للسـير علـى سـطح الكوكـب الأحمر.
وعلـى مـدار مـا يقـرب مـن 3 أشـهر، أرسـلت المركبة أكثـر مـن 17000 صـورة و15 تحليلا كيميائيــا للصخــور والتربــة إضافة إلى بيانــات واسعة النطاق عن الطقــس.
جليد ماء مدفون
وفــي 2002 تــم اكتشــاف جليــد مــاء مدفــون على سطح المريخ، وأعقــب ذلــك إرســال مركبتيــن جوالتيــن هبطتــا فــي منطقتيــن مختلفتيــن مــن الكوكــب ووجدتــا دليلا قويــا علــى أن الميـاه السـائلة كانـت علـى سـطح الكوكـب الأحمر منـذ أمـد بعيـد.
كمـا قامـت البعثـات بحفـر وتحليـل التربـة الجليديـة فـي المنطقـة القطبيـة وعثـرت علـى علامات تـدل علـى إمكانيـة العيــش هنــاك، بمــا فــي ذلــك وجــود ميــاه ســائلة وكيمياء التربــة التــي يحتمــل أن تكون مواتيــة للحيــاة.
يأتي ذلك بالإضافة إلــى الهبــوط فــي "فوهــة جيــل"، حيــث وجــد أن الظــروف كانــت مناســبة فــي وقــت مــا للحيــاة الميكروبيــة القديمــة علــى المريـخ، وقد تـم جمـع بيانـات الإشعاع للمسـاعدة فـي حمايـة رواد الفضــاء فــي المســتقبل.
ويســتضيف كوكــب المريــخ عدد من المركبــات الفضائيــة، بعضها تسير في مداره والبعض الأخر على سطحه، ومــن المقــرر أن تقــوم المركبــة "مــارس 2020 روفــر"، التابعــة لوكالــة ناســا، بدراســة مــدى توافــر المــوارد مثــل الأكسجين وإجـراء تحقيقـات علميـة واستكشـافات تقنيـة غيـر مسـبوقة.
بعثــات الاستكشاف المســتقبلية
وتشــتمل بعثــات الاستكشاف المســتقبلية إلــى المريــخ كل مــن بعثــة مســبار الأمل الإماراتية ومركبــة "إكســو مــارس" التابعــة لوكالــة الفضــاء الأوروبية وروســيا الاتحادية فــي عــام 2020 بهــدف البحــث عــن حيــاة مجهريــة فــي الماضــي والحاضــر.
يأتي ذلك بالإضافة إلى بعثــة المريــخ الصينيــة لعــام 2020، وبعثــة المريــخ المداريــة 2 التابعـة لمنظمـة البحـوث الفضائيـة الهنديـة خـلال 2021 – 2022 لمتابعــة البعثــة الأولى عــام 2014.
وتعتــزم ســبيس إكــس اطــلاق مركبتهــا "بيــج فالكــون روكيــت" إلــى المريــخ مــع مسـافرين علـى متنهـا فـي العـام 2024.
ورغـم تلـك القائمـة الطويلــة مــن الرحلات إلــى المريــخ، فإنه علينــا أن نتذكــر أن كوكــب المريــخ لــم يــزلْ معروفــا بكونــه هدفــا صعــب المنــال للاستكشــافات الفضائيــة، فضلا عــن إخفــاق نحــو ثلثــي مجمــوع المركبــات الفضائيــة التــي تــم إطلاقها نحــوه من إنجــاز مهامهــا.