سيظل الجانب الأمريكي ومن خلفه الوسيط الكويتي يعملان على طرح صيغ للحوار والنقاش والالتقاء دون موقف جدي من قطر.
بصرف النظر عما دار من جدال بين السعودية وقطر عقب الاتصال الهاتفي بين ولي العهد محمد بن سلمان والشيخ تميم بن حمد، فإن ثمة حقائق تفرض نفسها على ساحة الأزمة القطرية في الفترة المقبلة وستكون محل تناولنا في هذا المقال:
أولا: بداية إقدام الشيخ تميم على الاتصال، وهو ما يعني أن قطر -حتى ولو خضعت لضغوطات أمريكية- فإن مسار الأزمة يمضي في اتجاه الحد الأدنى من التعامل من خلال الحوار المباشر بين الجانبين السعودي والقطري، وهو ما قد يفسر في تقدير الجانب القطري بالاتجاه مباشرة إلى السعودية لقيادة موقف محدد تفاوضي من الأعلى، ومن خلال دائرة التأثير المباشر الذي يتصور صانع القرار القطري أنه سيحرك الأمور من خلالها على اعتبار أن حل الأزمة سيبدأ في الرياض وأبوظبي بالأساس، وهو ما تعاملت معه السعودية بحذر، وأعلنت أنها لن تبدأ أية خطوة إلا من خلال التوافق مع الدول المقاطعة الأخرى في إشارة لها دلالاتها وتداعياتها .
ثانيا: أن الكويت ما زالت تباشر وساطتها، وحسنا فعلت الدول الأربع وأعلنت في بيان رسمي موقفها حول ما تم تداوله من أن هذه الوساطة قد جنّبت الأزمة التدخل العسكري، وهو ما استثمره الجانب القطري جيدا وأعلن أن الكويت تتجه لتبنّي الموقف القطري، على الرغم من أن قطر قد كذّبت الكويت عندما أعلن أميرها أن قطر قبلت بالشروط كاملة لبدء الحوار، وسرعان ما تم تكذيب ذلك قطريا، وهو ما يشير إلى أن الجانب القطري يتعامل مع الوسيط الكويتي باستخفاف، وأنه لا يريد أن يمضي معه في مسار جاد على عكس الدول الأربع المقاطعة التي تعاملت بمسؤولية كاملة وقبلت بالتحركات الكويتية، ولم تسرب تفاصيل الوساطة على عكس الجانب القطري.
ثالثا: دخول الرئيس الأمريكي على خط الاتصالات الهاتفية والسعي لممارسة دور ضاغط على قطر لبدء حوار جاد مع الدول المقاطعة؛ ما يشير إلى أن الرئيس ترامب استشعر حرجا من اتهام إدارته بالعجز والفشل في إدارة الأزمة، والتي بدأت بتدخل وزير الخارجية الأمريكي ومرورا بالوفد الأمريكي وانتهت بالاتصالات الهاتفية، وهو ما يشير أيضا إلى أن الجانب الأمريكي يريد إحداث اختراق في الموقف الراهن المجمد منذ 100 يوم من عمر الأزمة، وأن الرئيس الأمريكي يريد تحقيق نجاح في ملف الأزمة القطرية على حساب التعثر في إدارة الملفين السوري والكوري والعلاقات الأمريكية في نطاقها الآسيوي في الوقت الراهن.
رابعا: ترى الإدارة الأمريكية أن الجانبين الروسي والفرنسي يتحركان بقوة في الملف، وأنهما قادران على طرح رؤية وتصور يمكن البدء به في تفكيك عناصر الأزمة، كما أن الملك سلمان سيزور روسيا خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى أنه سيزور واشنطن بداية العام المقبل؛ ما يعني أن الجانب السعودي سيتحرك في كل الاتجاهات وليس في اتجاه واحد، وهو ما تدركه قطر التي لا تزال تراهن على الشريك الأمريكي بالأساس، وشركاء أوروبيين بدرجة لاحقة، ومن ثم فإن الأزمة مستمرة.
حسنا فعلت الدول الأربع وأعلنت في بيان رسمي موقفها حول ما تم تداوله من أن هذه الوساطة قد جنّبت الأزمة التدخل العسكري، وهو ما استثمره الجانب القطري جيدا وأعلن أن الكويت تتجه لتبني موقفها، على الرغم من أن قطر قد كذّبت الكويت عندما أعلن أميرها أن الدوحة قبلت بالشروط كاملة لبدء الحوار
خامسا: تبين لنا خلال هذه الأزمة أن الإشكالية ليست بالفعل في إجراء حوار أو اتصال وإنما في إيجاد منظومة كاملة من المراحل لبدء حوار جاد، وليس حوارا هامشيا، وهو ما يتجاوز الاتصالات الهاتفية والنوايا الحسنة وبدون نتائج على الأرض، وهو ما تدركه الدول الأربع المقاطعة التي يبدو موقفها متماسكا وثابتا، والتي تعي تماما أن النظام القطري سيستمر في المراوغة والتسويف خلال هذه الأزمة.
سادسا: ستتجه الأزمة القطرية في الفترة المقبلة إلى عدة اتجاهات، منها المتعلق بخطة الإشغال التي تمارسها قطر وتدخل بنا المرحلة الثالثة من الأزمة مع التوقع بالقبول الحذر من الجانب العربي بإدارة الحوار ولو المبدئي، وهو ما يعني أن الدوحة لن تذهب للتفاوض وفق منطق أو منهج واضح، وأن الحوار سيكون على أرضية الواقع، ولن تتجاوزه إلى مساحات مباشرة من الالتزامات، ومنها أيضا دخول الأزمة إلى مرحلة الحوار غير المباشر عبر الجانب الأمريكي الذي سيعزف على التورط في جمع الأطراف، وسيبقى في دائرة الانتظار إلى حين أن يبادر الجانبان بالبدء في التفاوض عبر شريك عربي (الكويت - سلطنة عمان)، أو عبر الوسيط الألماني الذي ما زال يلعب دورا وراء الستار في هدوء ومن خلال تحركات سياسية ربما لم يكشف عن تفاصيلها بعد، وهو ما يمكن أن يحقق اختراقا في الموقف الراهن إضافة إلى الجانبين الروسي والفرنسي اللذين لديهما الإرادة الجادة لبدء تفاوض بين طرفي الأزمة، وهو ما يمكن أن يطرح في حال نجاح الجانب الألماني، ولكن سيبقى الموقف الأمريكي حائط صد أمام كل هذه التحركات في ظل رغبة الخارجية الأمريكية والاستخبارات المركزية في الإمساك بالملف بأكمله مع توجيهه إلى زوايا محددة، ومن خلال رؤية مصلحية كاملة تتجاوز الحفاظ على العلاقات مع قطر وطرح أي صيغ للحوار أو التوافق قد تضغط عليها وتطوق حركتها الاستراتيجية في الفترة المقبلة.
سيظل الجانب الأمريكي ومن خلفه الوسيط الكويتي يعملان على طرح صيغ للحوار والنقاش والالتقاء دون موقف جدي من قطر وفي ظل رهانات قطرية باستمرار الأزمة وعدم تفكيك عناصرها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة