محمد منير.. حدوتة مصرية كتبها عمالقة المبدعين (بروفايل)
يحتفل الفنان المصري محمد منير، الثلاثاء، 10 أكتوبر/ تشرين الأول بعيد ميلاده، فهو من مواليد هذا اليوم عام 1954.
محمد منير هو صوت فريد مثل المصريين لحوالي 40 عامًا، يجمع بين الجمال الطبيعي والأداء الاحترافي، حيث يتمتع ببشرة سمراء داكنة تشبه لون طين النوبة، وعيونه تلمع بالفرحة، وابتسامته صافية تخترق القلوب بسحرها.
محمد منير ليس فقط مطربًا بارعًا بل هو فنان يشارك الجمهور الحزن قبل الفرح، وينخرط في قضايا ومعاناة شعبه بقدر ما يشاركهم الاحتفالات والفرح.
هذا الفنان الكبير يعتبر لوحة فنية مشرقة قد تم تشكيلها على يد عدة فنانين مبدعين مثل أحمد منيب، وعبدالرحيم منصور، وفؤاد حداد، وصلاح جاهين، وأحمد فؤاد نجم، وبليغ حمدي، وعبدالرحمن الأبنودي، ويوسف شاهين، وكمال الطويل، وغيرهم من الفنانين الذين شكلوا محطات مهمة في مشواره الفني منذ قدومه من جنوب مصر حتى الأعمال الأخيرة التي قدمها.
موهبة محمد منير هي فريدة من نوعها، وجمعت بين الجاذبية الصوتية والموسيقى بشكل استثنائي، هذه الموهبة الفريدة سمحت له بأن يكون وجهًا للإبداع الفني الخالص للعديد من الشعراء والملحنين والموزعين الذين تعاونوا معه. كان لديه القدرة على تحفيز هؤلاء الفنانين لتقديم أعمال فنية تجاوزت التوقعات واستمرت في تقديم موسيقى مبتكرة ومميزة.
بالإضافة إلى ذلك، كان منير داعمًا لأخيه الأكبر فاروق، الذي كان يتمتع بصوت جميل أيضًا، وقد ألهمه لتحقيق حلمه في عالم الغناء. فاروق كان له دور كبير في دعم وتوجيه محمد منذ البداية.
بدأت رحلة محمد منير الفنية بتكوين صداقات مهمة في الوسط الموسيقي، وتعرف على الشاعر الثوري زكي مراد والملحن الكبير أحمد منيب، والذي كان عازفًا مشهورًا على العود منذ الخمسينيات. هؤلاء الفنانون كانوا جزءًا من بدايات محمد منير الفنية وشكلوا القاعدة التي بنى عليها نجاحه. منير استمع إلى الشاعر عبدالرحيم منصور وأحمد منيب وبدأوا التعاون سوياً، وتطورت علاقتهم مع الوقت ليصبحوا فريق عمل ناجحا.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك لحظة مصيرية عندما قابل منير الشاعر زكي مراد والملحن بليغ حمدي اللذين شجعاه على التفكير في الغناء وقدما له الفرصة الأولى للتألق عام 1977 بأغنية "أشكيلمين". هذه اللحظة كانت بداية صعود نجم محمد منير اللامع في عالم الفن، وأسست له لاحقًا مشواراً فنيًا مميزًا.
مشروع متكامل
محمد منير كان يحمل مشروعًا غنائيًا متكاملاً، ولم يكتف بالبحث عن أعمال فنية في القاهرة بل كان يبحث عن جهة إنتاجية تساعده في تنفيذ مشروعه الفني. هذا المشروع نشأ نتيجة اجتماع محمد منير وعبدالرحيم منصور وأحمد منيب. بالإضافة إلى الموسيقار هاني شنودة الذي انضم إلى الثلاثي ليضيف إلى فريق العمل ألحانه وتوزيعاته الحديثة والغربية.
تميز هؤلاء المبدعون بتقديم نوع فريد من الغناء والموسيقى يجمع بين الموسيقى النوبية والسلم الخماسي من جهة، والموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية من جهة أخرى. هذا الجمع الفريد أعطى الانطلاقة الأولى لمسيرة محمد منير، وأتت ثمار هذه التعاونات في ألبوم "علموني عنيكي" الذي أصدره في عام 1977.
بعد ذلك، قدم محمد منير ألبوم "شبابيك" في عام 1981، والذي شهد تعاونًا مميزًا مع الموسيقار فتحي سلامة وحقق مبيعات كبيرة. في هذا الألبوم، انضم الموسيقار يحيى خليل إلى فريق العمل مع فرقته التي تولت توزيع الألبوم بالكامل. تميز هذا الألبوم بأنه أطلق مفهوم الموسيقى الجاز في الغناء العربي، مما جعله يتميز بعد سنوات كأحد أفضل الألبومات الموسيقية العربية والأفريقية في القرن العشرين.
على مدار سنوات طويلة، قدم محمد منير مجموعة كبيرة من الأغاني التي تعبر عن لونه الغنائي الفريد. ومن بين الثنائيات الفنية التي تميزت في مسيرته الفنية هو الثنائي الذي جمعه بالموسيقار رومان بونكا، الذي كان أحد أعضاء فرقته الموسيقية. بونكا ومنير شكلا ثنائيًا استثنائيًا في عالم الغناء، وشاركا في ألبوم "وسط الدايرة" الذي صدر عام 1987.
رومان بونكا أولًا تعرف عليه محمد منير من جلسات المطرب الراحل أحمد منيب، ومن ثم بدأ في العمل بشكل منفرد. وقد قام بجولة فنية إلى الهند وأفغانستان في الفترة بين عامي 1978 و1979 حيث قام بإحياء حفلات موسيقية تليق بتجربته وموسيقاه التي لم تكن تقتصر على الألحان العربية، ولم يكن حتى عام 1982 عندما قام بزيارة القاهرة وبدأ التعاون مع محمد منير.
بهذه الطريقة، أصبحت موسيقى محمد منير مليئة بالتنوع والابتكار، وتجسيدًا للعبور الجريء عبر الحدود الموسيقية والثقافية.
دخول السينما
دخل محمد منير عالم السينما من خلال التعاون مع المخرج العالمي يوسف شاهين في فيلم "حدوتة مصرية" الذي أُصدر في عام 1982. بعدها، شارك في عدد من المشاريع السينمائية معه، مثل أفلام "اليوم السادس" و"المصير"، وخلال هذه الأعمال، جمعتهم تجارب إنسانية وفنية مميزة.
في حديثه عن كواليس أول لقاء له مع المخرج يوسف شاهين، قال محمد منير إن اللقاء تم عن طريق مساعد المخرج علاء كريم. ذهب إلى لقاء شاهين في الساعة الخامسة صباحًا، وسُئل إذا كان قد مثل من قبل، فأجاب بأنه لم يكن ولا يرغب في التمثيل.
رد شاهين عليه قائلاً: "أنت حمار". وفي تعليق محمد منير على ذلك، أكد أنه قرر أن يجرب التمثيل بناءً على تلك اللحظة.
وفي لقاء آخر في برنامج "شاهين ليه"، أشار محمد منير إلى أنه ذهب إلى محطة قطار في أسوان وهو طفل صغير، وكان يأمل أن يكون على نفس الإدراك والنضج الفني الذي لديه الآن، وأنه كان يتمنى أن يكون في سن يمكنه فيها مناقشة قضايا النوبة.
أما شخصية "مروان" التي قدمها في فيلم "المصير"، فقد وصفها بأنها أقرب الشخصيات إليه في مجال السينما، وأعرب عن حبه لهذه الشخصية لأنها كانت تعكس جوانب قريبة من شخصيته.
وأشار إلى أن مشهد وفاة شخصيته في الفيلم كان من المشاهد التي تركت أثرًا كبيرًا عليه، وأنه قضى وقتًا طويلًا يفكر في تلك المشهد وكيفية تجهيزه له، حيث شعر أنه كان يقدم وداعًا للحياة من خلاله.
رحلة مع الشعراء
الكينج محمد منير تعاون مع العديد من الشعراء، ومن بينهم عبدالرحمن الأبنودي حيث كان لديهما علاقة تشبه العلاقة الأبوية.
أثناء لقائهما في برنامج "صاحبة السعادة"، تحدث الكينج منير عن وصية الأبنودي له قبل وفاته، حيث طلب منه أن يكون هو الذي يدفنه بيده. وبالفعل، قام الكينج منير بأداء هذه الوصية وشارك في دفن الأبنودي.
عبدالرحمن الأبنودي كتب تسع أغاني لمحمد منير، بداية من ألبوم "شيكولاتة" عام 1989. وقد ساهم بكتابة كلمات معظم أغاني هذا الألبوم، بما في ذلك "شيكولاتة"، "في حبك مش جريء"، "كل الحاجات"، و"بره الشبابيك".
من جهة أخرى، تعاون محمد منير مع الملحن وجيه عزيز في 14 أغنية، منها "من أول لمسة"، و"لو كان لزاما"، و"عصفور"، و"صغير السن"، و"ممكن"، و"حاضر"، و"بالطول واللون والحرية"، و"الفرح شاطر".
مع الفنان حسين الإمام، قدم محمد منير توزيعات بموسيقى الروك في أسطوانة "الطول واللون والحرية" من إنتاج عام 1992، وضمت أغنية "هيه - الفرح شاطر"، التي تعتبر واحدة من أشهر أغانيه.
أما الشاعر والفنان التشكيلي مجدي نجيب، فقد قدم لمحمد منير العديد من الأشعار والأغاني، وأحدث تعاونهما كان مع أغنية "زوق" ضمن ألبوم "باب الجمال" الذي صدر في عام 2021.
وتعاون الكينج محمد منير مع الشاعرة كوثر مصطفى في العديد من الأغاني، بما في ذلك "العلي العلي يابا"، و"سو يا سو"، و"الشتا"، و"يا بنت ياللي"، و"بكار"، وغيرها.
حياته الخاصة والعامة
كان الفنان المصري محمد منير واحدًا من أشهر العزاب في الوسط الفني لفترة طويلة، لكنه أصبح من بين أشهر المطلقين بسرعة غير مسبوقة.
في منتصف إبريل/ نيسان عام 2014، قام بالزواج من السيدة داليا يوسف، والتي هي من أصل نوبي وفرنسي، ومع ذلك، أعلن عن طلاقه بعد مرور 50 يومًا فقط، مما أدى إلى عودته إلى حياة العزوبية دون الكشف عن أسباب هذا القرار.
وخلال هذه الفترة، أجرى الفنان محمد منير عملية في قلبه استدعت تركيب دعامات قلبية بعدما اكتشف فريق من الأطباء وجود انسداد في شرايين قلبه.
يعزى هذا الانسداد إلى إدمانه على التدخين بكثرة، حيث كان يدخن 40 سيجارة يومياً.
لم يترك منير أي مناسبة وطنية أو أزمة تمر في مصر دون أن يتغنى فيها، فيمكن أن تستدعي عشرات الأغاني التي احتضنت حبًا لمصر وأرضها من ذاكرتك، سواء كانت ضمن ألبوماته أو حتى في أعماله الغنائية في المجال التلفزيوني والسينمائي.
كل هذه الأعمال شكلت نوعًا فريدًا من الغناء، سيظل التاريخ يشهد له لفترة طويلة، وهي دليل على أن محمد منير ليس مجرد أسطورة كما يصفه معجبوه، بل هو "حكاية مصرية" بكل معانيها.
هل يعتزل؟
في أغسطس/ آب الماضي، قال منير في حوار مع إحدى وسائل الإعلام العربية: "قررت عدم اعتزال الغناء وأنا حاليا أقوم بتسجيل أغانٍ جديدة لألبومي الغنائي الجديد، فاختيار الألحان وكلمات الأغاني ليس بالأمر السهل. فالمسؤولية أصبحت أكبر في اختيار الأفضل من بين الأغاني التي تُعرض علي، فالغناء متعتي الحقيقية في الحياة، كما أنني أتطلع دوما للأفضل والأجمل لمسيرتي الفنية، ودائما الأمل يملأ قلبي".
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4xNjYg
جزيرة ام اند امز