أمير الرأسمالية الأفريقية.. رحلة كفاح باتريس موتسيبي المثيرة

في بلد لا تزال جراح الفصل العنصري تنزف في روحه واقتصاده، خرج رجل أسود من أحشاء التمييز ليرتقي إلى قمة الهرم المالي والرياضي، ويحفر اسمه كأول ملياردير أسود في تاريخ جنوب أفريقيا.
باتريس موتسيبي، ابن سويتو ورجل الأعمال الذي صنع مجده من الذهب، لم يكن مجرد رجل ثري، بل هو رمز لتحول اجتماعي واقتصادي في القارة السمراء، جامعًا بين أصول ملكية ونشأة متواضعة في أحد أشهر الأحياء الفقيرة في العالم.
ووفقاً لصحيفة "لوموند" الفرنسية، فإنه منذ بداياته المتواضعة، كانت قصة موتسيبي دائمًا أقرب إلى الأسطورة، يحب أن يرويها بتأنٍ في المؤتمرات والمقابلات التي يختارها بعناية، ويستحضر فيها لحظات من طفولته حين كان يعمل مع إخوته في دكان العائلة.
وقال موتسيبي ذات مرة بابتسامته الهادئة وبذلته الزرقاء الداكنة المصقولة، في قمة للشباب بكيغالي، رواندا عام 2017: "كان والدي يوقظنا في الخامسة صباحًا لنذهب إلى السوق في الشاحنة، نشتري الفواكه والخضار، نغلق المتجر عند منتصف الليل، وأنا خلف المنضدة، أتعلم الربح والخسارة".
ووُلد موتسيبي في سويتو، الرمز الحي لنظام الأبارتيد، الحي الذي خرج منه قادة نضال كبار مثل نيلسون مانديلا. لم يكن ميلاده مجرد حدث، بل اختيار سياسي من والديه، حين أطلقوا عليه اسم "باتريس" تيمنًا بالزعيم الكونغولي الراحل باتريس لومومبا، الذي اغتيل قبل عام فقط من ولادة موتسيبي في عام 1962. أما اسمه الثاني "تلهوباني" بلغة تسوانا، فيعني "المختار"، وكأن اسمه كان نبوءة.
لكن خلف هذا الاسم وهذا الإرث النضالي، اختار موتسيبي طريقًا آخر، طريق السوق والربح والاستثمار. لم يكن يرى في نشأته في سويتو مأساة، بل مدرسة حياة مليئة بروح العمل والكفاح. "كان بعض من أنجح رجال الأعمال السود في سويتو"، قال ذات مرة في مؤتمر نظمه مجلة "فوربس" عام 2022، مشيرًا إلى أن الفقر لا يلغي الطموح.
ورجل الذهب الجنوب أفريقي لم ينسَ مجتمعه، رغم صعوده إلى قمة الثروة والسلطة. في عمر الثالثة والستين، تبرع بأكثر من نصف ثروته لصالح مؤسسة أسسها بنفسه، في بادرة نادرة ضمن الأثرياء الأفارقة، تؤكد على مسؤوليته الاجتماعية ووعيه بأن الثروة لا تكتمل إلا إذا خدمت الآخرين.
باتريس موتسيبي اليوم ليس فقط رجل أعمال ناجحًا، بل أيضًا رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وشخصية ذات نفوذ في الحياة العامة والسياسية في القارة. يجسد تجربة استثنائية لرأسمالي أفريقي بدأ من "الكونتوار" (المنضدة) ووصل إلى قاعات الاجتماعات العالمية، دون أن ينسى جذوره ولا أن يخجل من التحدث عنها.
وأشارت "لوموند" إنه أمير الرأسمالية الأفريقية، لكنه أيضًا أحد أبنائها الحقيقيين. جمع بين الموهبة، والانضباط، والذاكرة الجماعية لبلد خرج من الرماد، وصنع لنفسه دورًا يتجاوز المال، ليصبح رمزًا لصعود جيل جديد من القادة السود في أفريقيا والعالم.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzkg جزيرة ام اند امز